من القومية إلى الوطنية
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 13 يوليو
- 4 دقيقة قراءة
من القومية إلى الوطنية
احتل الاستعمار بلاد العرب فقسمها بما يخدم مصالحه ولم يخرج منها إلا وقد اطمأن إلى أنه قد خلف جنودًا يحملون رسالته، ورجالاً يذبّون عن أهدافه، يحيون ويموتون في سبيله، وإن كانوا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .
اما الدولة العثمانية، خلافا لما يروجه الكثيرون، فلم تكن خلافة إسلامية لتبنيها التصوف وعبادة القبور و الأضرحة و اصنافا من الكفر والشرك والبدع و محاربة التوحيد الذي من أجله بعثت الرسل.
أدوار متتالية، وخطورة بادية
وبعد أن ارتفع صوت القومية طويلاً وأدّى جزءاً من الأهداف المرسومة له، ظهرت دعوة أخرى ـ لا تقل خطرًا عن مؤامرة القوميين ـ تلك هي الدعوة إلى الوطنية، واتخاذ الوطن إلهًا يُعبد من دون الله، وارتفع صوت الوطنيين في كثير من الدول العربية يدعون إلى مبادئ تُخالف دعوة الإسلام، وتدعو إلى الانصهار في بوتقة الوطن، واعتباره رابطًا قومياً يعلو فوق كل الروابط.
ولم يدْر أولئك ـ ولربما علموا ـ ما يحمل هذا الفكر الخبيث من سموم، وما سيجره من مصائب ونكبات. إننا في الوقت الذي تتداعى فيه الأمم على الأمة المنتسبة للإسلام ، وتجتمع عليها، نجد من يرفع شعارًات تمزق، ومبادىء تفرق.
الإسلام محور النجاة
إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بُعث في قوم تحكمهم العصبيات، وتسودهم الوثنيات، فكان السلاح الذي رفعه، صلى الله عليه وسلم، في وجه أولئك هو الإسلام، الذي جمعهم بعد تفرقٍ، وذابت فيه كل الفوارق والألوان والجنسيات والطبقات.
وفي ظل الإسلام عُقدت أعظم مؤاخاة في التاريخ، جمعت العربي مع الرومي، والفارسي مع الأوسي، والحبشي مع الخزرجي، ولم يكن هناك أي تمييز على اساس الجنس واللون والرقعة الجغرافية.
ان قومنا الصابئين يتحمسون للوطنية ويدافعون عنها ويزعمون أن الإسلام يقرها ويرضاها، مستدلين بالحديث المنسوب زورا الى النبي صلى الله عليه وسلم “حب الوطن من الإيمان” وهو حديث موضوع لا يجوز الاحتجاج به او نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ان كان “حب الموطن” أمرا غريزيا جبلّيا فيجب ضبطه بالضوابط الشرعية، بخلاف من اتخذوه صنماً يُعبد من دون الله، وجعلوه ندا للاسلام وتخلوا عما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين باسم الوطنية ﴿ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾.
غلو مفْرط
ولنقرأ مقاطع من مقالة كتبها أحد أولئك حيث قال:
“ليس أغلى على الإنسان أو غيره من الوطن، من الأرض، من التراب الذي يخصه، وعلاقة الإنسان وغير الإنسان بأرضه علاقة تختلف عن كل علاقة، فهي أصلب، وهي أشد”.
ثم يمضي الكاتب في غلوه، فيقول:
“ليس ثمة ما هو أرقى من العلاقة بين المخلوق وتربته وأرضه ووطنه”.
ولم يكتف بذلك، بل جاءت القاصمة ـ التي لا تقصم الظهر، ولكن تقصم الدين:
“إن كل شيء يذهب ويتلاشى، إلا حب الأرض، حب الوطن، هو الذي يستمر مشتعلاً في الذات دائمًا أبدًا، كالوشم الذي لا يتغير”.
هذه النتيجة المتوقعة من أدعياء الوطنية، وهذا الكاتب لا يعبر عن نفسه، ولكنه خريج مدرسة قائمة، علّمته: كيف يحب، ومن يحب، ومتى يحب.
نسي هذا الكاتب ـ أو تناسى ـ أن الحب في الله، والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وتجاهل قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
فهم في الحقيقة تخرجوا من المدارس النظامية التي تربي الناس على الوطنية و تقديس الوطن و إحترام مقدسات الوطن و هذا شرك و كفر بواح . نسأل الله السلامة و العافية.
ونتيجة لهذا الغلو والإفراط أصبحوا من أجل الأرض يحبون، وفي سبيل التراب يبغضون، وفي ذات الوطن يوالون ويعادون.
نعم.. كل إنسان يحب وطنه، ولكن المسلم يجعل هذا الحب في إطاره الصحيح، فهو حب طبيعي فطري ولكنه لا يقدمه ـ بحال من الأحوال ـ على حب الله وحب رسوله، ولا يساويه بحب دينه، بل ولا يرقى حب الوطن إلى حب الوالدين.
إذا هو حب يُحكَم بحبٍ أسمى منه، والعلاقة بالوطن تخضع لعلاقة أقوى منها.
أما أن يصل حب الوطن إلى أن يقول شاعرهم:
وطني لو شغلت بالخلد عنه … نازعتني إليه بالخلد نفسي
فهذا حب لا يقره الإسلام ولا يرضاه بل يمقته ويأباه.
إن حقيقة الدعوة للوطنية تبرز عندما تتعارض مصلحة من مصالح الوطن ـ الموهومة ـ مع مبادئ الإسلام وقيمه الحقيقية، نجد إن دعاة الوطنية يقدمون تلك المصلحة الظنية على ما يقره الإسلام ويدعو إليه.
إبطال الاسلام للنعرات الجاهلية
ولأولئك نقول:
إن الله سبحانه وتعالى قد ذم المنافقين الذين فضلوا البقاء في الأوطان على الخروج منها للجهاد في سبيل الله فقال: ﴿ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً﴾ (النساء: 66).
وأخبر سبحانه عن النهاية المخزية للذين رفضوا الهجرة وارتدوا عن دينهم إيثارًا لحبهم لأوطانهم، وتفضيلها على حب الله ورسوله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ (النساء: 97).
ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يحب مكة، ولكنه سن لنا الهجرة ففرائض الدين مقدمة على حب الوطن، وكذلك فعل صحابته الكرام.
وهكذا يكون حب الوطن والولاء له ليس حبًا مطلقًا ولا ولاء محررًا من كل قيد، كما يريد أولئك الأدعياء.
إن “الانتماء” في تصور الاسلام قائم على الديانة، وعلى إفراد الله بالمحبة؛ ومن هنا فلا ينبغي أن تنازع محبةَ الله أيُ محبة أخرى..
والانتماء للاسلام يجمع “أمة”؛ بينما نعرات القوميات والوطنيات تفرقها وتُشظيها بل وتفجرها من داخلها .. ونعرات الجاهلية عموما تلغي دور الأمة من التاريخ ومن الحضارة ومن دورها الرسالي.
فكل انتماء يجب أن يتبع دين الحق ويأخذ حجمه من تحت إذنه.. فالسؤال في القبور عن “من ربك” لا “ما هو التراب الذي عشت عليه”.
والمؤمن مطالب بأن يدافع عن وطنه الذي يحكمه الكتاب والسنة وحراسة حدود الله واجتناب محارمه، وهو داخل في دفاعه عن دينه وجماعته، لأن استباحة الوطن المسلم استباحة للدين.
النصير أبو عمر أجره الله
جماعة المسلمين


تعليقات