متى تكون محبة الكافر شركا؟
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 14 سبتمبر 2024
- 8 دقيقة قراءة
إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون. يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. وبعد فان خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال تعالى : لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
قال ابن جرير: يعني جلّ ثناؤه بقوله: ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) لا تجد يا محمد قومًا يصدّقون الله، ويقرّون باليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله وشاقَّهما وخالف أمر الله ونهيه ( وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ) يقول: ولو كان الذين حادّوا الله ورسوله آباءهم ( أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) وإنما أخبر الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام بهذه الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ليسوا من أهل الإيمان بالله ولا باليوم الآخر، فلذلك تولَّوُا الذين تولَّوْهم من اليهود.
وقال رحمة الله عليه : " المودة "" المفعلة "، من قول الرجل: " ودِدْت كذا أودُّه وُدًّا، ووِدًّا، ووَدًّا ومودة "، إذا أحببته.
قلت:
فدل على أن محبة الكافرين على سبيل ما نزلت فيه الآية من موالاة المنافقين لليهود هي كفر.
وقال ابن جرير رحمه الله : القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى القوم الذين تَولَّوْا قومًا غضب الله عليهم، وهم المنافقون تولَّوا اليهود وناصحوهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) إلى آخر الآية، قال: هم المنافقون تولَّوا اليهود وناصحوهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) قال: هم اليهود تولاهم المنافقون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عز وجلّ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ ) قال: هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود، وقرأ قول الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حتى بلغ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لئن كانَ ذلك لا يفعلُونَ وقال: هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معًا لنصرتنا وعزّنا، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة، فقال الله عزّ وجلّ: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حتى بلغ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ وقرأ حتى بلغ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ قال: لا يبرزون.
القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
قال ابو جعفر رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى الذين نافقوا وهم فيما ذُكر عبد الله بن أَُبي ابن سلول، ووديعة ومالك، ابنا نوفل، وسُوَيد وداعس، بَعَثوا إلى بني النضير حين نـزل بهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم للحرب أن اثبتُوا وتمنَّعوا، فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم، خرجنا معكم، فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يجليهم، ويكفّ عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة.
قلت:
أما محبة ذي الإحسان لإحسانه وذي القرابة لقرابته على أن تكون المحبة مضبوطة بضابط الشرع بحيث يصحب المسلم والديه الكافرين معروفا، وان يبر من لم ينه الله تعالى عن برهم ، وان يهجر من امر الله بهجره. ولا يناصرهم ضد المسلمين فلا تكون هذه المحبة والبر والإحسان شركا.
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
قال ابن جرير رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ ) يا محمد ( لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) هدايته ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) أن يهديه من خلقه, بتوفيقه للإيمان به وبرسوله. *ولو قيل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك, ولكن الله يهدي من يشاء, كان مذهبا* ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) يقول جل ثناؤه: والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد، ذلك الذي يهديه الله فيسدده ويوفقه.
وذكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته, إذ دعاه إلى الإيمان بالله, إلى ما دعاه إليه من ذلك.
قلت:
الشاهد أنه جعل تأويل الآية على أن المعنى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب لأجل قرابته مذهبا. فلو كانت هاته المحبة شركا لم يكن التأويل على هذا المعنى جائزا.
تتمة.
والدليل على ان محبة الكافر لا تكون شركا بكل حال قوله عز وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ
هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم =" لا تتخذوا بطانة من دونكم "، يقول: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم =" من دونكم " يقول: من دون أهل دينكم وملَّتكم، يعني من غير المؤمنين.
وإنما جعل " البطانة " مثلا لخليل الرجل، فشبهه بما ولي بطنه من ثيابه، لحلوله منه -في اطِّلاعه على أسراره وما يطويه عن أباعده وكثير من أقاربه- محلَّ ما وَلِيَ جَسده من ثيابه.
* * *
فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغش والخيانة، وبغيهم إياهم الغوائل، فحذرهم بذلك منهم ومن مخالَّتهم.
قال ابو جعفر: كان بيِّنًا أن الذي نهى الله المؤمنين عن اتخاذهم لأنفسهم بطانة دونهم، هم الذين قد ظهرت لهم بغضاؤهم بألسنتهم، على ما وصفهم الله عز وجل به، فعرَفهم المؤمنون بالصفة التي نعتهم الله بها، وأنهم هم الذين وصفهم تعالى ذكره بأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون، ممن كان له ذمةٌ وعهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أهل الكتاب. لأنهم لو كانوا المنافقين، لكان الأمر فيهم على ما قد بينا. ولو كانوا الكفار ممن قد ناصب المؤمنين الحربَ، لم يكن المؤمنون متخذيهم لأنفسهم بطانة من دون المؤمنين، مع اختلاف بلادهم وافتراق أمصارهم، ولكنهم الذين كانوا بين أظهُر المؤمنين من أهل الكتاب أيامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان له من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وعقدٌ من يهود بني إسرائيل.
القول في تأويل قوله تعالى : قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قد بدت بغضاء هؤلاء الذين نهيتكم أيها المؤمنون، أن تتخذوهم بطانة من دونكم لكم =" من أفواههم "، يعني بألسنتهم. والذي بدا لهم منهم بألسنتهم، إقامتهم على كفرهم، وعداوتهم من خالف ما هم عليه مقيمونَ من الضلالة. فذلك من أوكد الأسباب في معاداتهم أهل الإيمان، لأن ذلك عداوة على الدين، والعداوة على الدين العداوة التي لا زوال لها إلا بانتقال أحد المتعاديين إلى ملة الآخر منهما، وذلك انتقال من هدى إلا ضلالة كانت عند المنتقل إليها ضلالة قبل ذلك. فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين، ومقامهم عليه، أبينُ الدلالة لأهل الإيمان على ما هم عليه من البغضاء والعداوة.
القول في تأويل قوله : هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ها أنتم، أيها المؤمنون، الذين تحبونهم، يقول: تحبون هؤلاء الكفار الذين نهيتكم عن اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، فتودونهم وتواصلونهم وهم لا يحبونكم، بل يبطنون لكم العداوة والغش " وتؤمنون بالكتاب كله ".
قال الطبراني: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ}؛ أي أنتُمْ يا هؤلاءِ المؤمنين تُحِبُّونَ اليهودَ الذين نَهَيْتُكُمْ عن مُبَاطَنَتِهِمْ للأسباب التي بينَكم من المصاهرةِ والرَّضاع والقرابَة والجِوار، {وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} لِمَا بينكم وبينَهم من مُخالفةِ الدينِ، هذا قولُ أكثرِ المفسِّرين. وقاَلَ بعضُهم: معناهُ: تُحِبُّونََهُمْ؛ أي تريدون لَهُمُ الإسلامَ وهو خيرُ الأشياء، ولا يُحِبُّونَكُمْ لأنَّهم يَدْعُونَكُمْ إلى الكُفْرِ وهو الْهَلاكُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ}؛ أي تؤمنونَ بالتَّوراةِ والانْجيل وسائرِ كُتُب اللهِ، ولا يؤمنون هُم بذلك كُلِّهِ، يعني لا يؤمنونَ بكتَابكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا}؛ يعني مُنَافِقِي أهلِ الكتاب، إذا لَقُوهُمْ قالُوا آمَنَّا بمُحَمَّدٍ أنهُ رَسُولٌ صَادِقٌ فيما يقولُ، {وَإِذَا خَلَوْاْ}؛ فِيْمَا بَيْنَهُمْ؛ {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ}؛ أي أطرافَ الأصابعِ مِن الْحَنْقِ عليكُم لِمَا يرونَ من ائْتِلاَفِكُمْ وإصلاحِ ذاتِ بينِكم، وهذا مثلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِشِدَّةِ عداوةِ اليهود للمؤمنينَ.
القول في تأويل قوله عز وجل : قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " قل "، يا محمد، لهؤلاء اليهود الذين وصفت لك صفتهم، وأخبرتك أنهم إذا لقوا أصحابك قالوا: آمنا، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ =: " موتوا بغيظكم " الذي بكم على المؤمنين لاجتماع كلمتهم وائتلاف جماعتهم.
ويمكن مراجعة تفسير الآيتين لمزيد من البيان.
وهنا نذكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ. رواه البخاري ومسلم ومن حديث أنس في الصحيحين ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
وقوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
قال أبو جعفر: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم = وكانت (أموال اقترفتموها)، يقول: اكتسبتموها (وتجارة تخشون كسادها)، بفراقكم بلدَكم =(ومساكن ترضونها)، فسكنتموها =(أحب إليكم)، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك = ومن جهاد في سبيله, يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه (فتربصوا)، يقول: فتنظّروا (حتى يأتي الله بأمره)، حتى يأتي الله بفتح مكة =(والله لا يهدي القوم الفاسقين)، يقول: والله لا يوفّق للخير الخارِجين عن طاعته وفي معصيته.
قلت: فالمقصود أن محبة الله ورسوله والمحبة في دين الله مقدمة على ما سواها من محبة المسكن والتجارة والقرابة والعشيرة. وان المحبة التي تكون من قبيل موافقة المحبوب في دينه الباطل او تقديم طاعته على طاعة الله ورسوله او مناصرته ضد المسلمين فهذا ونحوه يكون محبة شرك وكفر، اما من برئ من دين المشركين واجتنبهم ولم يتخذهم بطانة ولا اخلاء ولم يناصرهم ضد المسلمين ثم دعى لهم بالهداية وبرهم واحسن اليهم في غير ما يسخط الله عز وجل فلا تكون محبة كفر ولا تكون اعظم من محبة الله ورسوله ولا تتنافى مع البغض في الله لاهل الكفر على كفرهم.
قال الطبري رحمة الله عليه: وقوله: ( كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل أنبيائه لقومهم الكفرة: كفرنا بكم، أنكرنا ما كنتم عليه من الكفر بالله وجحدنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله أن تكون حقًّا، وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا *على كفركم بالله* وعبادتكم ما سواه، ولا صلح بيننا ولا هوادة، حتى تؤمنوا بالله وحده، يقول: حتى تصدّقوا بالله وحده، فتوحدوه، وتفردوه بالعبادة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


تعليقات