ليسوا سواء
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 2 يونيو
- 8 دقيقة قراءة
بسم الله الرحمن الرحيم
ليسوا سواء
(أمة محمد أهل كتاب)
ذو القعدة 1438
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فإن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين بمعصية الكافرين وعدم طاعتهم، كما قال تعالى " فلا تطع المكذبين " وقال " ولا تطع كل حلاف مهين " وقال " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " وقال " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " وكما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند المقام، فمر به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده. فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا! فأنزل الله: " فليدع ناديه سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب ".
وربطا لهذا الحكم الشرعي بالواقع المعاش، فإنه على هذا الأساس، لا يجوز طاعة من تقدم ذكرهم في ترك واجب، أو اتيان محرم، سواء تعلق الأمر برئيس في العمل أو عن طريق تشريع في البرلمان، أو أي شخص مهما كان شأنه أو منصبه. فمن أعرض عن هذا الأمر الإلهي لأجل هوى أو متاع من الدنيا كالأجرة وما شابهها أو خوفا من الناس فاستحل ما حرم الله فقد وقع في الشرك الأكبر، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. والإكراه غير الخوف، فهو يكون بالتهديد الفعلي بالقتل أو تحت التعذيب. ودليل إشراكه قوله تعالى " وإن الشياطين ليوحون لأوليائهم ليجادلوكم * وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ".
فإن علم ذلك، تبين أن الطاعة العمياء التي لا تفرق بين حلال وحرام لأي شخص من الأشخاص تعد شركا بالله، ولو تعلق الأمر بالوالدين. فإن الوالد إذا نصب نفسه إلها يبيح ويمنع من غير مراعاة الحلال والحرام فإنه لا يطاع. قال تعالى " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ". والمقصود بالطاعة التي تؤدي إلى الشرك، الطاعة في تحليل أمر أو تحريمه، أي استحلال ما أحله المخلوق وقد حرمه الخالق، أو تحريم ما حرمه المخلوق وقد أحله الخالق. فإن اليهود والنصارى لما أطاعوا رجالات دينهم الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم المخالف للدليل، نزل فيهم قوله تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ".
وهذا الناقض من نواقض الإسلام، هو أحد النواقض العشرة المشتهرة التي نتفق مع الدعاة النجديين على كونها أكثر وقوعا وأكثر خطورة. ونذكر منها ما يلي:
الشرك بالله ومنه الذبح لغير الله، من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوها ويتقرب إليها، تعلم السحر، الاستهزاء بالدين، سب الله أو الرسل، تغيير دين الله وشرعه، الاعتقاد بجواز اتباع غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم، اعتقاد وجود هدي خير من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، معاونة الكفار ضد المسلمين، أو ترك تعلم الدين والعمل به، وهي كلها موجودة ميسرة لمن بحث عنها بالأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، ولا فرق فيها بين الجاد والهازل والخائف، إلا المكره.
بناء على ما تقدم، ونظرا لواقع الناس، وأخص بالذكر منهم المنتسبين إلى الإسلام، والمنتمين إلى أمة سيدنا محمد، فقد اختلف الناس قديما وحديثاً في حكم الفرق الاثنتان وسبعين من هاته الأمة، التي ورد ذكرها في الحديث الصحيح " تفرقت اليهود إلى واحد وسبعين فرقة وتفرقت النصارى إلى اثنتان وسبعين فرقة وتتفرق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة... كلها في النار إلا واحدة، قيل من هم يا رسول الله، قال الذين هم على ما أنا عليه اليوم وأصحابي، وقال هم الجماعة ".
فذهبت طائفة إلى أن الفرق الاثنتان وسبعين المذكورة في الحديث، هي فرق مسلمة من أصحاب المعاصي الذين تلحقهم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدخلون الجنة بعد العقاب في النار، وبعد عفو الله، وسموا بالمليين أو العوام أو الفساق.
وذهبت طائفة ثانية إلى أن الفرق المذكورة هم من الكفار، ولكن اختلفوا في تصنيفها من أي صنف الكفار هم، فقيل إنهم مشركون كمشركي قريش في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول محمد ابن عبد الوهاب، وقيل إنهم مرتدون، كما قاله ابن تيمية في بعض أصنافهم، وقيل إنهم منافقون.
لذلك، وجدنا من الضروري بيان الحكم الشرعي الذي هدانا الله إليه في حقيقة تلك الفرق، وذلك لأن هذا الأمر من الأمور التي نتج عنها نزاع كثير واختلاف كبير بين الناس، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجتمع أمتي على ضلالة ".
إن القول الذي نؤمن به في حكم الفرق المختلفة من هاته الأمة، ينبني على معرفة دقيقة بواقع الناس في البلاد المسماة بالإسلامية والتيارات المختلفة التي تتواجد في الساحة، من جهة، وعلى معرفة الحكم الشرعي لمن اتصف بوصفهم أو حذا حذوهم استنادا للأدلة الشرعية من كلام الله تعالى، ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال أئمة السلف رضي الله عنهم وأرضاهم، من جهة ثانية.
في الواقع، تجد الناس منهم من يلتزم بالدساتير الوضعية والقوانين الدولية التزاما تاما، فلا يجد حرجا، مع انتسابه إلى الإسلام، أن يدافع عن الدستور الوضعي، والقانون الدولي، ويحاسب على أساسه من لم يلتزم به...وتجد من الناس من يتبع داعية من الدعاة أو فصيلا من الفصائل على غير بصيرة، وإن خالف الدليل، فيقدم قول الفقيه أو قول المفتي على قول الله وقول رسوله الواضح البين. وتجد بعض الناس لا يكاد يتصور خروجا عن طواعية ذوي السلطان مهما كان طغيانهم وإجرامهم، ومهما حصل منهم من مخالفة لأمر الله ورسوله...أما معظم الناس في وظائف القطاعين الخاص والعام، تجدهم يستنكرون بكل شدة من خالف أمر رئيسه، ويوجبون له أشد العقوبات والطرد من الوظيفة أحيانا، وإن كان الأمر الذي يرفض تنفيذه فيه معصية أو ظلم...كما تجد السواد الأعظم من الناس يجهلون نطاق صلاحيات الوالدين، فيتخذونهما أربابا يطاعان في كل الأوامر والنواهي، تحت تهديد اللعنة والسخط.
وفي هاته الزوبعة من الضلالات، يجد الإنسان نفسه تائها لا يدري ما له وما عليه، ويفضل الكثير مسايرة القطيع لما يعلمه مسبقا من تبعات مخالفة أهواء قوم قد ضلوا وأضلوا كثيرا، وما يلازمه من عداوة، وأذى.
أيضا، فإن الوطنية التي وضع حدودها المستعمر الأوروبي، أصبحت مقياسا للموالاة والمعاداة، والحب والأخوة، والبغض والعداوة، وهو ما يسمى بالمصطلح الإسلامي بحمية الجاهلية ... نعم نحن نعيش في مجتمعات جاهلية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
لكن هاته الجاهلية اليوم مختلفة عن الجاهلية الأولى، لأن أصحاب الجاهلية الأولى كذبوا بآيات الله كلها، وقالوا ما أنزل الله من شيء، أما أصحاب الجاهلية اليوم فإنهم من صنف اليهود والنصارى الذين يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا.
إن عموم أصحاب الجاهلية اليوم ليسوا من صنف المرتدين، لأن المرتد من اعتنق الإسلام الصحيح وعمل به، ثم ارتد على دبره، ولكن الذين كفروا من أهل هاته الفرق لم يكونوا مسلمين ولم يعرفوا معنى الإسلام الحقيقي قط.
إن المتقدمين من أهل تلك الفرق، الذين عرفوا الإسلام الحق ثم شرعوا لأنفسهم ولأتباعهم من الدين بدعا وضلالات لم يأذن بها الله هم فعلا مرتدون، ولكن الأحكام الشرعية ليست مسألة وراثية تتناقل عبر الأجيال، بل يحاسب كل بحسب عمله، كما قال تعالى: " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى".
كذلك هم ليسوا منافقين...فإن المنافق هو الذي يعمل بشرائع الإسلام كلها في الظاهر، أما هؤلاء فمع انتسابهم للإسلام، قد تجدهم لا يصلون ولا يزكون كما تجدهم لا يلتزمون ببعض الأمر أو كله. أما قولهم بألسنتهم " لا إله إلا الله ومحمد رسول الله " فهم غالبا ما يقصدون بها " لا خالق إلا الله خلقنا وتركنا هملا في حروب وفقر وأزمات ومحمد كان في زمانه رسولا ونحن نعلم ذلك ولا شأن لنا بقوله وعمله، فإننا في زمن آخر، ما يهمنا هو أن يشفع لنا لندخل الجنة فقط ".
والذين تصدق عليهم هاته الأوصاف، هم قطعا ليسوا مسلمين، لأن المسلمين هم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذين هم على ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وقال في باقي الفرق " كلها في النار ". ولن يكون انتسابهم إلى الدين الحق وحده كافيا لنيل شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير الاهتداء بهديه، ألم تقل اليهود والنصارى " لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " وقالوا " كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " وقالوا " نحن أبناء الله وأحبائه " فهل كان انتسابهم إلى الدين الذي يقبله الله كافيا ليشفع لهم؟ أو كان انتمائهم لأمم موسى وعيسى عليهما السلام سببا لدخول الجنة؟ فما الذي يجعلنا نعتقد أن انتمائهم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كفيل بدخولهم الجنة؟ ألم يقل الله تعالى " لا نفرق بين أحد من رسله "؟ " أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر "؟
فإن لم يكن الذين كفروا من هاته الأمة مسلمين، أو منافقين أو مرتدين أو مشركين بالمعنى الذي ذكرناه، فما هو حكمهم إذن؟
لأجل معرفة ذلك، وجب أولا معرفة كون هاته الأمة من أهل الكتاب... " أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن عبادتهم لغافلين " ومعرفة أن المؤمنين من أهل الكتاب " ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " وأن أكثر أهل الكتاب هم كافرون لا تجب طاعتهم " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من أهل الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " وأنهم خالدون في النار " إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ".
وفي الصحيح عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت " ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا ايمان ببعث.
وعن عمر ابن الخطاب بسند صحيح أنه قال " لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، وفي لفظ أن عمر قال " ليمت يهوديا أو نصرانيا " قالها ثلاثا، ومعلوم أن الجزية انما تأخذ من أهل الكتاب.
وقد نقل قريب من هذا المعنى عن الحنفية المتأخرين لما أجازوا الزواج من بنت الشفعوي تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب، و حرموا تزويج الشفعوي لأنه يستثني في الإيمان ( وهو قول القائل: أنا مؤمن إن شاء الله ) فعدوا ذلك كفرا باعتبار أن اليقين شرط للإيمان.
وسئل الحراني عن الزواج من الرافضية فأجاب " الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوج موليته من رافضي، وإن تزوج هو رافضية صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب وإلا فترك نكاحها أفضل لئلا تفسد عليه ولده " فأجاز نكاح المرأة الرافضية وحرم إنكاح الرافضي موافقا بذلك حكم أهل الكتاب.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه " قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال " فمن؟ "
فإذا تشابهت أعمال أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأعمال أمم موسى وعيسى عليهما السلام، تشابه الحكم في أمثالهم، لما تقتضيه أسماء الله تعالى الحكم العدل، من المعاملة المتكافئة بين العباد على أساس الأعمال.
لذلك، فمن صدق عليه أحد النواقض المبينة آنفا، وهي إنما تكون نواقض في حال وقوعها من طرف المسلم، وتكون شركا وكفرا أصليين في حال وقوعها من طرف الكافر لعدم وجود الإسلام وامتناع نقضه حينئذ. فقد اصطلح عليها بنواقض الإسلام من لا يكفر الشعوب المنتسبة للإسلام بل يحسبهم مسلمين، واصطلح القرآن والسنة على كونها كفرا وشركا، كما قال تعالى " قل أبالله وآياته ورسله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " فقوله هنا " قد كفرتم " بمعنى نقض إسلامكم .. فمن صدق عليه شيء من هذا الكفر أو بعضه وجب عليه أن يسارع بالتوبة حتى لا يكون من الذين كفروا من أهل الكتاب، بل يكون من الذين آمنوا من أهل الكتاب، الذين قال الله تعالى فيهم:
" ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون كتاب الله آناء الليل وهم يسجدون ".
والسلام على من اتبع الهدى.
المستقوي بالله
جماعة المسلمين


تعليقات