قومنا لم يولدوا مسلمين ولم يدخلوا الإسلام وليسوا مرتدين
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 10 أكتوبر 2024
- 11 دقيقة قراءة
قومنا لم يولدوا مسلمين ولم يدخلوا الإسلام وليسوا مرتدين
المعنى الأول: قول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يعد إسلاما بدون بيعة واتباع.
سنن الترمذي
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ : قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ. فَقَالَ صَاحِبُهُ : لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ . فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، فَقَالَ لَهُمْ : " لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لَا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ ". قَالَ : فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ، فَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ : " فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ". قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ. وَفِي الْبَابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رواه الترمذي والنسائي وأحمد
الأم للشافعي
باب المرتد الكبير
قال الشافعي رضي الله عنه: والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل. [قال]: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله ﷺ فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد ﷺ أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد ﷺ إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا*.
*تطبيق الحدود والأحكام الشرعية من اختصاص القاضي المسلم في دار الإسلام الحاكمة بشريعة الرحمن.
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ منه، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ علَى ما كانَ مِنَ العَمَلِ. [وفي رِوايةٍ زادَ]: مِن أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، أَيَّهَا شَاءَ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، قَالَ: ثنا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّدُوسِيَّ يَعْنِي ابْنَ الْخَصَاصِيَةِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَايعَهُ، فَاشْتَرَطَ عَلِيَّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُصَلِّيَ الْخَمْسَ، وَأَصُومَ رَمَضَانَ، وَأَحُجَّ الْبَيْتَ، وَأُوَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَأُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ فَمَا أُطِيقُهُمَا: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَأَخْشَى إِنْ حَضَرْتُ ذَلِكَ خَشَعَتْ نَفْسِي، وَكَرِهْتُ الْمَوْتَ، وَالصَّدَقَةُ، فَمَا لِي إِلَّا غُنَيْمَةٌ وَعَشْرُ ذَوْدٍ هُنَّ رُسُلُ أَهْلِي وَحُمُولَتُهُنَّ، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: «لَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أُبَايعُكُ، فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ " رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة وأحمد بن حنبل في المسند.
وعن أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان عن سليم أبي عامر رضي الله عنه: أن وفد الحمراء أتَوا عثمان رضي الله عنه فبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويَدَعوا عيد المجوس. فلما قالوا: نعم، بايَعهم.
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه ، قالوا : لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى . فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن.
المعنى الثاني : لا يصح الإسلام الا بالكفر بما عبد سوى الله ، وهو الطاغوت.
وعن طارق بن أشيم الأشجعي قال: عن رسول الله ﷺ أنه قال: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله، وفي رواية عنه ﷺ أنه قال: من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه. صحيح مسلم.
وروى مسلم عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : " أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ".
1- ارسل رسول الله ﷺ جريرا وقال له: ألا تريحني من ذي الخلصة بيت لخثعم كعبة اليمانية.2- وأرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه في سرية لهدم العزى .3- وأرسل سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه في سرية لهدم مناة .4- وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية لهدم سواع . وذلك كله بعد فتح مكة .
المعنى الثالث : قول لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يختلف حكمه حسب القائل، فيحكم على قوم بقولها أنهم أسلموا ويحكم على آخرين مع قولها أنهم لا يزالون كفار.
مشكل الاثار للطحوي
حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجه علي بن أبي طالب إلى خيبر وأعطاه الراية ، فقال علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟
قال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم .حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا محمد بن كثير ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم .
وإذا ابن مرزوق قد - حدثنا ، قال : ثنا بشر بن عمر ، قال : ثنا محمد بن طلحة ، عن أبي حمزة ، قال : قلت لإبراهيم : إن ناسا يقولون : إن المشركين ينبغي أن يدعوا .
فقال : قد علمت الروم على ما يقاتلون ، وقد علمت الديلم على ما يقاتلون .
وإذا ابن مرزوق قد - حدثنا ، قال : ثنا بشر بن عمر ، قال : ثنا مبارك ، قال : كان الحسن يقول : ليس على الروم دعوة ؛ لأنهم قد دعوا
وإذا محمد بن خزيمة قد - حدثنا ، قال : ثنا يوسف بن عدي ، قال : ثنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، قال : سألت إبراهيم عن دعاء الديلم ، فقال : قد علموا ما الدعاء . فأمر بالدعاء ليكون تبليغا لهم ، وإعلاما لهم ما يقاتلون عليه .
[ ص: 210 ] قال أبو جعفر : فبين ما روينا من هذا ، أن الدعاء إنما كان في أول الإسلام ؛ لأن الناس حينئذ لم تكن الدعوة بلغتهم ، ولم يكونوا يعلمون على ما يقاتلون عليه ، فأمر بالدعاء ، ليكون ذلك تبليغا لهم ، وإعلاما لهم ما يقاتلون عليه ، ثم أمر بالغارة على آخرين ، فلم يكن ذلك إلا لمعنى لم يحتاجوا معه إلى الدعاء ؛ لأنهم قد علموا ما يدعون إليه لو دعوا وما لو أجابوا إليه لم يقاتلوا ، فلا معنى للدعاء .
وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين يقولون : ( كل قوم قد بلغتهم الدعوة ، فأراد الإمام قتالهم ، فله أن يغير عليهم ، وليس عليه أن يدعوهم ، وكل قوم لم تبلغهم الدعوة ، فلا ينبغي قتالهم ، حتى يتبين لهم المعنى الذي عليه يقاتلون ، والمعنى الذي إليه يدعون ) .
فمن ذلك ما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال : حدثني أنس بن مالك ، قال : ما فعل النفر البكريون ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، إنهم ارتدوا عن الإسلام ، ولحقوا معهم بالمشركين ، فقتلوا .
فقال عمر : لأن يكون أخذتهم سلما أحب إلي من كذا وكذا .
قلت : يا أمير المؤمنين ، ما كان سبيلهم لو أخذتهم سلما إلا القتل ، قوم ارتدوا عن الإسلام ، ولحقوا بالمشركين .
فقال : لو أخذتهم سلما ، لعرضت عليهم الباب الذي خرجوا منه.
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : أخذ بالكوفة رجال يفشون حديث مسيلمة الكذاب ، فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان ، فكتب عثمان : ( أن اعرض عليهم دين الحق ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمن قبلها وتبرأ من مسيلمة فلا تقتله ، ومن لزم دين مسيلمة فاقتله فقبلها رجال منهم فتركوا ، ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا ) .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : ثنا سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله .
قال أبو جعفر : فقد ذهب قوم إلى أن من قال : ( لا إله إلا الله ) ، فقد صار بها مسلما ، له ما للمسلمين ، وعليه ما على المسلمين ، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار .
[ ص: 214 ] وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا لهم : لا حجة لكم في هذا الحديث ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يقاتل قوما لا يوحدون الله تعالى ، فكان أحدهم إذا وحد الله علم بذلك تركه لما قوتل عليه وخروجه منه ، ولم يعلم بذلك دخوله في الإسلام ، أو في بعض الملل التي توحد الله تعالى ، ويكفر بجحدها ، وغير ذلك من الوجوه التي يكفر بها أهلها مع توحيدهم لله .
فكان حكم هؤلاء أن لا يقاتلوا إذا وقعت هذه الشبهة ، حتى تقوم الحجة على من يقاتلهم وجوب قتالهم .
فلهذا كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال من كان يقاتل بقولهم : ( لا إله إلا الله ) .
فأما من سواهم من اليهود فإنا قد رأيناهم يشهدون أن لا إله إلا الله ، ويجحدون بالنبي صلى الله عليه وسلم .
فليسوا بإقرارهم بتوحيد الله مسلمين إن كانوا جاحدين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أقروا برسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك خروجهم من اليهودية ، ولم يعلم به دخولهم في الإسلام ؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا انتحلوا قول من يقول : ( إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إلى العرب خاصة .وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، حين بعثه إلى خيبر وأهلها يهود بما حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية إلى علي حين وجهه إلى خيبر قال : امض ولا تلتفت ، حتى يفتح الله عليك .
فسار علي شيئا ، ثم وقف ولم يلتفت ، فصرخ : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل ؟
قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى يشهدوا مع ذلك أن محمدا رسول الله ؛ لأنهم قوم كانوا يوحدون الله ، ولا يقرون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتالهم حتى يعلم خروجهم مما أمر بقتالهم عليه من اليهودية ، كما أمر بقتال عبدة الأوثان حتى يعلم خروجهم مما قوتلوا عليه .
وليس في إقرار اليهود أيضا بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ما يجب أن يكونوا مسلمين .
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك قتالهم إذا قالوا ذلك ؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا أرادوا به الإسلام أو غير الإسلام .
فأمر بالكف عن قتالهم حتى يعلم ما أرادوا بذلك ، كما ذكرنا فيما قد تقدم من حكم مشركي العرب .
وقد أتى اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقروا بنبوته ولم يدخلوا في الإسلام ، فلم يقاتلهم على إبائهم الدخول في الإسلام إذ لم يكونوا - عنده بذلك الإقرار - مسلمين .
عن صفوان بن عسال ، أن يهوديا قال لصاحبه : تعال نسأل هذا النبي .
فقال له الآخر : لا تقل له نبي ؛ فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين .
فأتاه فسأله ، عن هذه الآية : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات .
فقال : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة اليهود ، أن لا تعدوا في السبت .
قال : فقبلوا يده ، وقالوا : نشهد أنك نبي . قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟
قالوا : إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخشى إن اتبعناك ، أن تقتلنا اليهود .
قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن اليهود قد كانوا أقروا بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توحيدهم لله ، فلم يأمر بترك قتالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقروا بجميع ما يقر به المسلمون .
فدل ذلك أنهم لم يكونوا بذلك القول مسلمين ، وثبت أن الإسلام لا يكون إلا بالمعاني التي تدل على الدخول في الإسلام ، وترك سائر الملل .
وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك .
5128 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم .
قال أبو جعفر : فدل ما ذكر في هذا الحديث على المعنى الذي يحرم به دماء الكفار ، ويصيرون به مسلمين ؛ لأن ذلك هو ترك ملل الكفر كلها ، وجحدها .
والمعنى الأول من توحيد الله خاصة هو المعنى الذي نكف به عن القتال ، حتى نعلم ما أراد به قائله ، الإسلام أو غيره ، حتى تصح هذه الآثار ولا تتضاد .
فلا يكون الكافر مسلما محكوما له وعليه ، بحكم الإسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويجحد كل دين سوى الإسلام ، ويتخلى منه .- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا نعيم [ ص: 216 ] بن حماد ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، قال : ثنا أبو مالك سعد بن طارق بن أشيم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويتركوا ما يعبدون من دون الله ، فإذا فعلوا ذلك حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى.حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الله بن بكر ، قال : ثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما آية الإسلام ؟
قال : أن تقول : أسلمت وجهي لله ، وتخليت ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتفارق المشركين إلى المسلمين .
فلما كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة ، لما سئل عن آية الإسلام أن تقول : أسلمت وجهي لله ، وتخليت ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتفارق المشركين إلى المسلمين ، وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله ثبت بذلك أن كل من لم يتخل مما سوى الإسلام ، لم يعلم بذلك دخوله في الإسلام .
وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين
المعنى الرابع : أحفاذ المرتدين كفار أصليون وليسوا مرتدين كما يزعم أهل الكتاب.
كتاب الأصل - السير الصغير
قلت فَلَو أَن رجلا وَامْرَأَته ارتدا عَن الْإِسْلَام فلحقا بِأَرْض الْحَرْب فولد لَهما هُنَاكَ أَوْلَاد ثمَّ مَاتَ الرجل وَمَاتَتْ الْمَرْأَة وَكبر أَوْلَادهم وَكَانُوا كفَّارًا ثمَّ ولد لأولادهم أَوْلَاد فسبي أَوْلَاد أَوْلَادهم أيكونون فَيْئا قَالَ نعم قلت وَلَا يجبرون على الْإِسْلَام قَالَ لَا قلت وَلم وهم من أَوْلَاد الْمُرْتَدين قَالَ إِنَّمَا يجْبر على الْإِسْلَام الْمُرْتَد بِعَيْنِه أَو وَلَده لصلبه فَأَما ولد الْوَلَد فَلَا أجبرهم على الْإِسْلَام قلت لم قَالَ أرايت السَّبي إِذا كَانَ بَعضهم لَهُ جد مُسلم أَو جدة أينبغي لي أَن أجْبرهُ على الْإِسْلَام إِذا لَا يسبى أبدا إِلَّا وأجبره على الْإِسْلَام لِأَن النَّاس كلهم أَوْلَاد آدم ونوح عَلَيْهِمَا السَّلَام.
مشاركة من الوزير أبي جاد أثابه الله.


تعليقات