شبهة متعلقة بالعذر بالجهل
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 13 يونيو
- 3 دقيقة قراءة
رد مختصر على شبهة متعلقة بالعذر بالجهل.
الحمد لله وبعد،
الذين قالوا لموسى عليه السلام: ﴿اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة﴾ لم يكونوا جاحدين للتوحيد، بل جهلوا أن اتخاذ التمثال وسيلة للتقرب إلى الله بدعة منكرة، ولهذا لم يكفرهم موسى عليه السلام وإنما وصفهم بالجهل: ﴿إنكم قوم تجهلون﴾. وكذلك بالنسبة للذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط. لم يعلموا ان التبرك الذي سألوه بدعة منكرة. وليس كالتبرك المشروع الذي وردت الادلة باثباته.
وأما من عبد العجل من بني إسرائيل ظنًّا أنه منهم أنه الله، فقد وقعوا في الشرك وعميت عليهم حقيقة التوحيد حين عبادتهم العجل.
ونحن نفرق بين البدعة والكفر ونفرق بين من جهل ناقضا من نواقض الإسلام قامت عليه به الحجة، وبين من جهل ناقضا لم تقم عليه به الحجة، والفرق بيننا وبين العاذرين ان الحجة تقوم عندنا بالفطرة والعقل على التوحيد قبل الرسالة لذلك ثبت ان اقوما ماتوا قبل البعثة اخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم انهم في النار، واما الحجة عند العاذرين فلا تقوم إلا بالرسالة وهذا القول مردود لأن الله لعن المشركين واعد لهم عذابا اليما والمشرك قبل سماع كلام الله يحتكم للعقل ولا يحتكم للرسالة، ومن قَبِل الإسلام فانما يقبله محتكما للعقل وانما يكون الاحتكام الى الرسالة بعد قبولها وليس قبل ذلك. لهذا فقابل الحق قبله بعد اتضاح الحجة لعقله وموافقتها لفطرته، ورافض الحق رفض النص مخالفا الحجة العقلية والفطرة. ودور البلاغ الرسالي هو توضيح الحجج العقلية للمدعوين اليها كي يقبلوا الرسالة كلها اعتمادا على العقل. وانما تقام الحجة بالرسالة نفسها على من أقر بها وكان من أهلها والمنتسبين لها.
والمثال على ذلك اننا عند دعوة الناس الى الإسلام بتلاوة القرآن ، فاننا نبين لهم اعجاز القرآن وانه من رب العالمين وانه كلام لا يشبه كلام الادميين وان بني ادم عاجزون عنه، ونقرأ قوله تعالى : اعبدوا ربكم الذي خلقكم. فنحتج على من اقر لله بالخلق وندعوه الى عبادة الله ، وهذا ترتيب عقلي فان الخالق هو المستحق لان يعبد لا غيره.
واما حجة الرسالة فهي عن هذا المعنى بمعزل: وهي كقولنا للرجل أقر بتحريم الخمر ، ففي هاته الحال لا توجد ادلة عقلية على تحريم الخمر أو نقول صلاة الظهر اربع ركعات فلا دليل عقلي يدل على هذا، وانما المستند في هذا الى الخبر الرسالي القائل بتحريم الخمر والمحدد لعدد الركعات في الصلاة.
والحجة على العاذرين أن الجاحد للرسالة لا يمكن أن تقام عليه الحجة بالرسالة من أجل الإقرار بالرسالة، وانما تقام الحجة بالرسالة على من أقر بالرسالة. ودور الرسالة عند دعوة الأميين الذين ليسوا اهل كتاب هو توضيح الحجج العقلية وبيانها وتجليتها والتذكير بالميثاق الفطري " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ".
وقوله تعالى :"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ، بمعنى ان الاقوام التي كذب رسل الله بعد ان جاءهم رسلهم اهلكهم الله وعذبهم في الدنيا بعذاب من عنده أو بأيدي المؤمنين. ولو كان يتوقف عذاب الآخرة على بعثة الرسول فهذا يستلزم احد امرين، اما ان تكون الحجة قائمة على المشركين بالرسالة مستقلة عن الدليل العقلي، وهذا باطل للعلة التي سبق بيانها، واما ان تكون الحجة قائمة بما تضمنته الرسالة من الحجج العقلية، وهذا يضطر الى الاقرار بان الحجة قامت على العقل والفطرة.
واذا كانت الحجة قامت على العقل والفطرة ، فان العقل والفطرة موجودان قبل الرسالة، وحجج العقل على صحة التوحيد المضمنة في الرسالة قائمة قبل الرسالة ايضا.
فالمقر بوحدانية الخالق لا حجة له في عبادته الأوثان لأنها لا تضر ولا تنفع وانما هي حجارة ينحتونها بأيديهم، ولا ان يعبد الشمس والقمر لأنهما لا يملكان القدرة والعلم الضروريان من أجل خلق المخلوقات ولا حجة لعابدي الصليب لان عيسى مخلوق من بني آدم، ولا حجة للمجوس في عبادة النار لانها لا تخلق ولا ترزق.
وهاته الحجة قائمة قبل الرسالة وانما جاءت الرسالة لتوكيدها وبيانها وتدعيمها بأدلة إضافية تخاطب العقل وتحاجه وتدعو الناس للتفكر والتذكر والتدبر وتصف المكذبين بانهم يجهلون، لا يفقهون، لا يعقلون.
والذي دعاني ايضا لهذا البيان هو مراجعتي لبعض المذكرات عندي، فصادفت كلاما لي قديما في محاورة كتابي مدعو طلحة لهذا اردت تصحيح المفاهيم وتوضيح المنهج واثبات الصحيح من القول في مسألة إسلام الجاهل ببعض نواقض الإسلام، والخلاصة ان جاهل التوحيد يكفر قبل الرسالة واما جاهل الشرائع فلا يكفر الا بعد قيام الحجة الرسالية.
والسلام على من اتبع الهدى
وصلى الله وبارك على نبينا محمد
المستقوي بالله
جماعة المسلمين و إمامهم


تعليقات