سبيل الرشاد وسبيل الغي
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 25 يونيو
- 6 دقيقة قراءة
سبيل الرشاد وسبيل الغي
بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على رسول الله .. و أما بعد :
فيا من تحرصون على عبادة الله و ان لا تشركوا به شيئا و تطلبون النجاة من النار و الخلود في النعيم ، فإن الله قد أخذ علينا و عليكم الميثاق و حملنا الأمانة و بعث الرسل مبشرين و منذرين و مبلغين عن رب العالمين رسالاته إلى الخلق أجمعين.
وبين الله سبحانه دينه للناس و ترك رسوله المسلمين على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك. و استمر الخلفاء الراشدون على هذا المنهج القويم و الصراط المستقيم علما و عملا أطول مما كان في زمن النبوة ، و هذا يدل أن إقامة الدين من واجب الناس كلهم و ليست من اختصاص الأنبياء لوحدهم. و من ظن هذا ففيه شبه من أهل الكتاب القائلين " اذهب انت و ربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ".
و انما أرسل الله رسوله بالهدى و دين الحق ليكون دليلا للناس على الطريق الموصلة إلى رحمة الله تعالى و جنة عرضها السماوات والارض. فمن استن بسنته و اهتدى بهديه فقد أدى الذي عليه و اتبع سبيل المؤمنين.
ومن سنته صلى الله عليه وسلم التي شرع لنا الله اتباعه فيها التدرج في العلم و العمل ، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يتعلمون عشر آيات من القرآن لا يجاوزونها حتى يعملوا بما فيها. و منهم من تعلم خمسا خمسا او آيتين آيتين و آية آية. و لم يكن من هديهم رضوان الله عليهم أن يحفظوا الآيات و الأحاديث تباعا دونما تطبيق عملي في الواقع يترجم ما يعلمونه إلى حركة في الوجود تغير مسارهم و توجهاتهم.
ولعل مخالفة هاته السنة التي سنها الله ورسوله سبب في ما نشاهده من تأخر الأمة المحمدية المنتسبة الى الإسلام ، لكنها مع ذلك لا تكاد تتقدم خطوات الى الأمام بل هي سائرة في طريق التأخر مع توافر الفقهاء و الدكاترة أصحاب الشهادات العليا فيما يسمى الدراسات الإسلامية و الشريعة و الفقه و التفسير و الحديث.
ومع عظم هاته العلوم ، الا ان الامة اذ لم تتعامل معها المعاملة الحكيمة صارت وبالا على الأمة و صار عامة من يتعلم في هاته الجماعات دعاة على أبواب جهنم و رؤوسا جهلا يفتون بغير علم فيضلون و يضلون و شياطين يعلمون الناس أمر دينهم في المساجد، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ونحن جماعة المسلمين إنما حرصنا على اتباع سبيل المؤمنين في العلم و العمل، و هي الطريق الوحيد الموصل إلى الإجابات الشافية في المواضيع المختلفة التي تفرق لأجلها أهل الكتاب عامة و أهل القرآن خاصة.
وبالرجوع إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المتتبع لترتيب نزول سور القرآن يجد بأن الخطاب كان أول الأمر بصيغة المفرد، قال الله تعالى " اقرأ " " قم " " أنذر " و قال " اسجد " إلى غيرها من الأوامر الواردة في بداية الدعوة ابتداء من سورة العلق ، المدثر ، الشطر الأول من سورة المزمل ... و حين نزول الشطر الثاني من سورة المزمل ، بعد سنتين من أول السورة على أكبر تقدير ، قال تعالى " إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ".
فانتبه أيها الطالب و أيتها الطالبة، أن المسلمين صاروا طائفة و ما معهم إلا سور معدودات من القرآن ، و صار الخطاب الموجه إليهم في صيغة الجمع يقول " اقرءوا " " أقيموا " " آتوا " " استغفروا ".
لذلك فإنا نسأل الذين يتشددون في وضع الشروط من أجل تأمير المسلمين رجلا ليكون إماما لهم ، هل هاته الشروط اشترطها أبو بكر و علي و خديجة و عثمان حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم لاتباعه؟
فهل اشترطوا مثلا ان ينزل عليه القرآن جملة واحدة؟ او يكون عالما بأحكام الميراث والفرائض التي لم تكن قد نزلت بعد؟ أو أن يحدثهم عن تاريخ الأمم الماضية؟ او ان يكون له مسبقا التمكين في الأرض!؟
هاته الشروط شبيهة تلك التي كان يشترطها المشركون لتبرير إعراضهم عن دعوة الحق ؟ كقولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز من السماء أو تكون له جنة ياكل منها و قال الظالمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا " و كقولهم " لولا أنزل إليه القرآن جملة واحدة ".
فقد وجدناهم يضعون شروطا وامتحانات ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن من هو الذي له الحق بأن يحدد هاته الشروط ؟ هل كل من درس شيئا و اعتقده اختبر به الناس ، فمن درس كدراسته ومن درس غيرها او خيرا منها او دونها ؟ و من هو الحكم الذي سيحكم مع من الحق ؟.
وإنما أتذكر هنا أقوال المشركين و أفعالهم كقولهم " لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " و قال تعالى عنهم " بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ".
وتجدهم مع اتفاقهم على مفارقة جماعة المسلمين والإعرلض عن بيعة الإسلام، لا يتفقون فيما بينهم على الحد الواجب من أجل دخول الإسلام بين قائل بوجوب الكفر بالطاغوت، وقائل بالامتحان في الكفريات المنتشرة حتى وجدنا من يمتحن الناس ببضع وخمسين مسألة وفي كل مرة يزيد وينقص.
وهذا يقينا مخالف لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،أضف إلى ذلك انهم لا يسمون اجتياز الامتحان دخولا للإسلام، بل حكما بالإسلام على الممتحن، وأما دخول الإسلام فلا أحد منهم يستطيع تحديد تاريخ مضبوط لدخوله الإسلام، لان الإسلام عندهم تعلم ومعرفة وليس عندهم حد مضبوط لذلك.
وهذا دليل على ضلالهم الكبير مع انتقاض الولاء والبراء عندهم لأنهم إذا لم يحددوا وقت دخول الإسلام، وترددوا في تحديد الشهر والعام، فهم مقرون على أنفسهم بموالاة الكفار الذين حكموا بإسلامهم قبل أن يدركوا كفرهم لنقصان معرفتهم، ويبرأون ممن حكمه عندهم الإسلام قبل أن يعرفوا إسلامه.
ومن مخالفاتهم الجلية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل المؤمنين وما كانت عليه جماعة المسلمين أنهم منقسمون إلى أحزاب متحزبة كل حزب بما لديهم فرحون، كل فئة منهم يعقدون الولاء لداعية يتبنونه أقواله ويحكمون بحكمه، فتختلف أحكامهم وولاءاتهم بينما كان الصحابة متفقين في الحكم على الناس، ويوالون كل من كان مع جماعة المسلمين.
والوجه الآخر في بيان كفرهم أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، فهم معرضون عن قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم". يمتنعون عن الإيمان بهاته الآية والعمل بها بل يستحلون الانسلاخ منها.
فيا من تريدون النجاة من الشرك ، فروا إلى الله اني لكم منه نذير مبين ! وابتعدوا عن أقوال المشركين و أعمالهم !
و بعد، فإن جماعة المسلمين أخذت على نفسها اتباع الحق حيث كان و مع من كان، و من الحق الذي نتبعه، أن جماعتنا لها إمام وبيعة على الإسلام، كما أننا في عهد أشبه بالعهد المكي ، لذلك فإن الأمور تختلف عنها في العهد المدني.
فإن كان الإمام ينصب ليكون خليفة للمسلمين حين وجود الجماعة و وفاة امامها، فإن الوضع يختلف في غياب الجماعة، فإن الإمام عليه دعوة الناس إلى بيعة الإسلام كما فعل ذلك رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، حتى تتكون الجماعة المسلمة القادرة على تطبيق الحدود و التمكين.
وليكن في علمكم بأن تعلم بعض المسائل و اختبار الناس على أساسها منهج خاطئ. فقد يتطلب بحث بعضها من الوقت عدة سنين ! أما المسلمون ففي سنتين، بل من أول يوم كان لهم امام و جماعة و كانوا طائفة، فأين هي طائفة الخوارج الامتحانيين و أين جماعتهم؟
وقد استدل هؤلاء الجهلة الضلال بقوله تعالى: { إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } وانما كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس اذا هاجروا إليه سؤالهم عن سبب هجرتهم هل هو ابتغاء وجه الله واتباع رسوله، او لأجل غرض من الدنيا، فان اخبروه قبل منهم صلى الله عليه وسلم. فهذا قول ابن عباس.
وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } ، إِلَى قَوْلِهِ : { غَفُورٌ رَحِيمٌ } . قَالَ عُرْوَةُ : قَالَتْ عَائِشَةُ : فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ بَايَعْتُكِ ". كَلَامًا، وَلَا وَاللَّهِ، مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ : " قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ ". رواه البخاري ومسلم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
المستقوي بالله
جماعة المسلمين


تعليقات