تبصير ذوي الألباب بكون أمة محمد أهل كتاب
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 26 يونيو
- 3 دقيقة قراءة
تبصير ذوي الألباب بكون أمة محمد أهل كتاب
قال الله عز وجل: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمة الله عليه: فتأويل الكلام: من أهل الكتاب جماعة معتصمة بكتاب الله، متمسكة به، ثابتة على العمل بما فيه وما سن لهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو جعفر بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسنده قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، كان عند بعض أهله ونسائه: فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ليلٌ، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فبشَّرنا وقال: " إنه لا يصلي هذه الصلاة أحدٌ من أهل الكتاب " فأنـزل الله: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. رواه أحمد وغيره. ".
وأسند عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله: " يتلون آيات الله آناء الليل "، صلاة العَتَمة، هم يصلُّونها، ومَنْ سِواهم من أهل الكتاب لا يصلِّيها.
قال أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمة الله عليه: أولى الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: عني بذلك تلاوة القرآن في صلاة العشاء. لأنها صلاة لا يصلِّيها أحد من أهل الكتاب، فوصف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله. انتهى كلامه رحمه الله.
قال الإمام أبو ناصر أيده الله بنصره وشمله بعفوه: القول الذي رجحه الإمام الطبري رحمه الله لا يتنافى مع تفسير ابن عباس أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سَعْية، وأسَيْد بن سعية، وأسد بن عُبيد، ومن أسلم من يهود معهم. فعلى صحة هذا القول فإن عبد الله بن سلام ومن معه صاروا مسلمين، والله تعالى قال عن الأمة التي وصفها بالإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها من أهل الكتاب. فعلى هذا القول أيضا الأمة القائمة من أهل الكتاب هم المسلمون، ولا يجوز تأويل الآية على غير هذين التأويلين.
ولبيان ذلك فإن الأنبياء أخوة ودينهم واحد والله سبحانه يقول: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ. ويقول: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فهل يكون لأحد أن يزعم بعد هذا أن الله سبحانه يثني على أمة غير أمة المسلمين بأنها قائمة مؤمنة بالله واليوم الآخر آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر مسارعة في الخيرات.
۞ لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِين
لقد بين الله سبحانه أن اليهود والنصارى ليسوا مسلمين فقال:
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
وبين أن موسى وعيسى عليهما السلام وأتباع دينهما مسلمون وليسوا يهودا ولا نصارى إذ يقول عز وجل:
وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
فالذي يقول أهل الكتاب هم اليهود والنصارى يلزمه بأن المسلمين من اليهود والنصارى والله سبحانه فرق بين اليهود والنصارى وبين المسلمين في كتابه العزيز.
هذا فيما يخص بيان أن أمة محمد أهل كتاب من كتاب الله.
وأما بيان ذلك من السنة فقد جاء في الحديث بسند صحيح:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ. رواه البخاري ومسلم
عَنْ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { الم } { غُلِبَتِ الرُّومُ } { فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } { فِي بِضْعِ سِنِينَ } فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ } { بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِبُّ ظُهُورَ فَارِسَ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا إِيمَانٍ بِبَعْثٍ. قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ.
فهذه أدلة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومن تبعهم من العلماء متفقة على كون المسلمين وأمة محمد من أهل الكتاب.
والحمد لله رب العالمين.
المستقوي بالله
جماعة المسلمين


تعليقات