الزكاة والضرائب
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 25 مارس
- 4 دقيقة قراءة
ما هو الفرق بين الزكاة والضرائب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع الزكاة تزكيةً للنفس وتطهيراً للمال، وجعلها دعامةً أساسيةً في بناء المجتمع المسلم، والصلاة والسلام على نبينا محمد، القائل: "بني الإسلام على خمس..." والزكاة واحدة من الخمس، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الحديث عن الزكاة والضرائب يقتضي بياناً شاملاً ينسجم مع منهج جماعة المسلمين، وسأعرض هذا الموضوع مع مراعاة أصولنا المستمدة من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة في القرون الثلاثة الأولى.
1. مصدر كلمة الضرائب وأنواعها في الشريعة
• كلمة "الضرائب" في أصلها مأخوذة من الفعل العربي "ضرب"، بمعنى فرض وإلزام، وهو استخدام شائع في اللغة العربية والقرآن والسنة.
• قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى:
"وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ" (البقرة: 61):
"وضربت بمعنى فرضت وألزمت. وهذا كقول القائل: 'ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة'، أي ألزمهم إياها."
• ومن السنة النبوية، ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد:
"لا يُضرب الجزية إلا على من جرت عليه الموسى، ولا تُضرب على صبي ولا امرأة."
• المصدر: الأموال لأبي عبيد، باب الجزية.
أنواع الضرائب الشرعية:
• الجزية:
• مبلغ مالي محدد يُفرض على أهل الكتاب من الرجال البالغين، مقابل حمايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية.
• قال تعالى:
"حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة: 29).
• استُدل بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النساء والصبيان مستثنون من الجزية.
• الخراج:
• نسبة من إنتاج الأراضي الزراعية المفتوحة صلحاً أو عنوة، تُؤدى لبيت المال وفق اتفاق مع أصحاب الأرض.
• قال الإمام الطبري:
"الخراج يُفرض على الأرض حسب طاقتها، ويُحدد وفق المصلحة العامة."
• ضريبة العبيد والإماء:
• مبلغ يؤديه العبيد لسادتهم كنوع من الالتزام المالي، ويجوز تخفيفه عند الحاجة، كما ورد في الحديث:
"حجم أبو طيبة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بصاعٍ أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه غلته أو ضريبته." (رواه البخاري).
2. الفرق بين الضرائب الشرعية والضرائب الحديثة
الضرائب الشرعية:
• تُفرض وفق نصوص شرعية ثابتة مثل الجزية والخراج.
• تراعي الحالة الاجتماعية والاقتصادية، ولا تُثقل كاهل الفرد.
• تُصرف في مصارف مشروعة مثل الفقراء والمساكين والعاملين عليها، كما ورد في قوله تعالى:
"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ..." (التوبة: 60).
الضرائب الحديثة:
• تُفرض بنسب متغيرة وتتنوع أشكالها (مثل ضريبة الدخل والمشتريات).
• تُثقل كاهل الأفراد أحياناً، خاصة الفقراء، ولا تراعي الحالة الاقتصادية.
• تُستخدم في أوجه إنفاق متنوعة، قد لا تتوافق مع المصارف الشرعية.
3. واقع الزكاة اليوم للمسلمين في جماعة المسلمين
• في دار الإسلام، كانت الزكاة تُجمع مركزياً عبر العاملين عليها، وتُصرف وفق النظام الذي أرساه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون.
• اليوم، حيث لا تتوفر دولة الإسلام الجامعة، يواجه المسلمون تحديات كبيرة في تطبيق نظام الزكاة الكامل، مثل:
• غياب العاملين على الزكاة الذين يجمعونها ويوزعونها على مستحقيها.
• عدم وجود خزانة بيت المال التي تُخصص لإدارة أموال الزكاة.
• غياب السجلات التي تُحدد الفقراء والأغنياء ومن تجب عليهم الزكاة.
• نقص البنية التحتية لاستقبال الزكاة العينية مثل الزروع أو الماشية.
الحكم في هذه الحالة:
• تصبح الزكاة مسؤولية فردية، يؤديها المسلم حسب الاستطاعة والمقدرة، كما كان الحال في مكة قبل الهجرة، حيث كانت الزكاة تُؤدى لدعم المستضعفين ونصرة الدعوة.
4. أصل فرض الزكاة في مكة والمدينة
أ. الزكاة في مكة
• الزكاة في مكة كانت مشروعة كعبادة عامة دون تفاصيل دقيقة، وهدفها تزكية النفس والمال.
• قال تعالى:
"وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ" (المؤمنون: 4).
• وقال:
"الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى" (الليل: 18).
• قال الإمام الطبري:
"معنى التزكي هنا هو تطهير النفس بإنفاق المال في سبيل الله، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في إنفاقه لتحرير بلال وغيره."
• لم تكن هناك تفاصيل تتعلق بالنصاب أو المصارف، بل كان المسلمون ينفقون أموالهم لدعم المستضعفين ونصرة الدعوة.
ب. الزكاة في المدينة
• بعد الهجرة، نزلت أحكام الزكاة كاملة وتفصيلية، وشملت:
• النصاب: الحد الأدنى من المال الذي تجب فيه الزكاة.
• النسب المحددة: مثل 2.5% من النقد، و5%-10% من الزروع، وغير ذلك.
• مصارف الزكاة: كما في قوله تعالى:
"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ" (التوبة: 60).
• قال الإمام الشافعي في كتاب الأم:
"إن الله افترض الزكاة على عباده وبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً في الأموال والأنصبة والمواقيت. فجعلها ركناً ثابتاً لا يسقط إلا بعذر. فكانت الزكاة تجب في الأموال الظاهرة، مثل الزرع والماشية، وفي الأموال الباطنة، مثل النقدين والذهب والفضة، وأخرجها الناس إلى مصارفها التي بينها الله."
وقال أيضاً:
"الزكاة كانت في مكة دعوة عامة للإنفاق في سبيل الله، ثم جاء التفصيل في المدينة بالنصاب والمواقيت والمصارف، فكانت الزكاة نظاماً جامعاً بين العبادات المالية والنظام الاجتماعي." (الأم، كتاب الزكاة).
• وعن تقديم الزكاة على الحقوق الأخرى قال الشافعي:
"دين الله أحق أن يقضى." (الأم، كتاب القضاء).
5. أوجه صرف الزكاة وفق منهج جماعة المسلمين
• الزكاة يمكن أن تُصرف في الأوجه التي تخدم الدعوة الإسلامية ومصالح المسلمين، ومن ذلك:
• تفريج كربة مسلم: دفع الديون، توفير المأوى، علاج المرضى.
• دعم الدعوة الإسلامية:
• تمويل المشاريع الدعوية.
• طباعة الكتب الإسلامية وتوزيعها.
• إنشاء مواقع إلكترونية وقنوات دعوية.
• مساعدة المسلمين في احتياجاتهم:
• تزويج الشباب.
• تمويل مشاريع صغيرة للمحتاجين.
• دعم جماعة المسلمين: توفير الموارد اللازمة لنشر الدعوة، مثل:
• إنشاء مراكز إسلامية.
• تمويل محتوى دعوي مؤثر.
• صلة الأرحام وبر الوالدين: مساعدة الأقارب المحتاجين.
6. العلاقة بين الزكاة والضرائب
أ. إذا كانت الضرائب إلزامية قانوناً
• إذا كانت الضريبة مفروضة بالقانون، وعدم أدائها يُعتبر جريمة أو غدراً، يجب على المسلم أداؤها دفعاً للضرر.
• قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا ضرر ولا ضرار." (رواه ابن ماجه).
ب. إذا لم تكن الضرائب إلزامية أو معاقباً عليها
• إذا كانت الضرائب لا تُعتبر إلزامية أو جريمة عند التهرب منها، يُقدم أداء الزكاة لأنها عبادة وركن من أركان الإسلام.
• قال الإمام الشافعي:
"دين الله أحق بالقضاء."
7. منهج جماعة المسلمين في أداء الزكاة
• نحن كمسلمين نلتزم بمنهج التدرج والمرحلية، بحيث:
• نؤدي الزكاة وفق الاستطاعة والقدرة.
• نركز على دعم الدعوة والمحتاجين من المسلمين.
• نتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة، حيث كانت الزكاة تُنفق حسب الحاجة ودون تنظيم مركزي.
• قال تعالى:
"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: 16).
8. خلاصة القول
• الزكاة واجبة على كل مسلم في جماعة المسلمين، وهي مقدمة على أي التزامات أخرى إذا لم تكن الضرائب إلزامية قانوناً.
• المسلم مطالب بأداء الزكاة بما يتيسر له، مع مراعاة دعم جماعة المسلمين والدعوة الإسلامية.
• في حال الضرائب الإلزامية، يمكن تأخير الزكاة إلى حين القدرة.
نسأل الله أن يجعلنا من الذين يُؤتون أموالهم تزكيةً لأنفسهم ودعماً لدعوة الحق، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تعليقات