top of page
بحث

الدولة الوطنية


“الوطن” وفق نموذج الدولة “الغربي” المعاصر


مقدمة


هذه “المقالات” ليست موجهةً إلى الذين أُشربوا في قلوبهم “العجل!”، عِجل الانتماء إلى الأرض والمصالح المادية المنبثقة عنها. ولا للمشركين الذين يعيشون في أوهام المزاوجة بين ثوابت “الإسلام”، ولوازم “الانتماء إلى الأرض” بمسمى “الوطنية”. ولا للذين لا يزالون مؤمنين بأن “الوطنية”  لها خصوصية أو استثناء تجعلها رديفاً للإسلام، أو شريكاً “مقبولاً!”  للتوحيد.

كما لا يكاد  يوجد في هذا العصر “طاغوت” يُجمع الناس على عبادته واحترامه مثل “الوطنية”.

و أصبح كثير من المنتسبين للإسلام من صابئة أهل الكتاب اليوم ـ على اختلاف مشاربهم ـ يُجمعون على عبادة “الوطن” باسم “الوطنية”، سواء أكانوا “إسلاميين!” أم ليبراليين علمانيين أو شيوعيين هذا فضلاً عن “العامّة”.

كذلك الدعاة والمفتيون على هذا المنوال..!


الوطنية .. لماذا نكفر بها ونرفضها


يظن الكثير أن “الوطنية” ذلك المصطلح الجميل البسيط الذي  يَنسِب الإنسان إلى موطنه الذي وُلد فيه أو نشأ في ظلاله، وتربى على أرضه وتحت سمائه! .. لكن الأمر ليس كذلك إطلاقاً.


“الوطنية” مصطلح قائم على ابتزاز المشاعر البريئة المرتبطة بالحبّ الفِطري لموطن الإنسان الذي ولد فيه أو المكان الذي تربى في ظلاله، وتحويل هذه المشاعر إلى أجندات “أيديولوجية”..!

إنها مصطلح يقوم على استجلاب المصالح الأرضية وتحقيق المكاسب المادية العائدة منها؛ على حساب الدين الخالص.

“الوطنية” ابتدعت مفهوماً زائفاً للدين، ورؤيةً مضللةً؛ تقوم على أسس ليبرالية “علمانية” تحتضن بعض الأطر الشكلية السطحية للإسلام! لتظهرها على أنها الإسلام الحقيقي.

وتحاول إبراز هذه “الرؤية!” الجديدة للإسلام بصورة براقة لمّاعة تُغري بها العامة وتصرفهم بها عن جوهر الدين الحق، لتحوله من دين سماوي إلهي،  إلى دين “براجماتي”..! يتمحور حول تحقيق المصالح السياسية والأرضية، على حساب الدين و الثوابت.


“الوطنية” تحتّم الانتماء للأرض، والولاء “للوطن” وحده لا شريك معه! أو ربما بمشاركة “الدين” لا كعبودية لله، ولا كمنهج حياة يُعبد به في الأرض، وإنما كتراث أو قيم أخلاقية أو هوية تاريخية.

“الوطنية” تذيب ثوابت الدين، وتُلغى لوازم العقيدة وتُزيل سِمة تمايز المسلمين عن غيرهم.

فهي تجعل انتماء الدين وأخوّة المنهج، ورباط العقيدة؛ يأتيان في مرتبة متأخرة، بعد انتماء ورباط الوطنية، أو ربما لا يأتيان في الحسبان مطلقاً..! حيث تعمل على  توظيف الإسلام كمرجعية فقط ، لتحقيق مكاسب سياسية وجغرافية وغيرها.


على هذه الأسس وما استُنسِل منها قامت “الوطنية”؛ فحدَّدت ركائز النهضة ، ورتبت الاهتمامات في سلم الاولويات، ومنحت “الجنسيات” و قامت الخطط وبُنيت الولاءات، ومُيز الأصدقاء من الأعداء، وأقيم “الأمن..!”


ولا يُعلم أنّ دولة “وطنية” ما تبّنت “الإسلام” في أيٍّ من وزاراتها السيادية، أو أدخلته يوماً في ثوابتها السياسية، أو تبنته في عقيدة جيشها، أو رفعت علم الجهاد يوماً ما.. أبداً!

الدولة “الوطنية” تقوم على مبدأ السيادة على الجغرافيا، وتبنّي المصالح الأرضية المنبثقة عنها؛ لتوفير الأمن والرفاه و”السعادة” لمواطنيها.. أيْ على قِيم “الرعي” (الأرض والسياج  والكلأ)..!


لذا نقول؛ إن الدولة “الوطنية” يمكن أن تكون دولة “وطنية” نصرانية، أو “بوذية” أو كونفوشيوسية أو شيوعية أو هندوكية .. الخ، لكنها لا يمكن أن تكون إسلامية بحال.



الوطن” وفق نموذج الدولة “الغربي” المعاصر


هو مصطلح أيديولوجي؛ تذوب فيه ثوابت الدين، وتلغى فيه لوازم العقيدة؛ لا يقيم اعتبارا لأخوّة الدين، ولا لروابط العقيدة التي أثبتها الإسلام وسمَا بها فوق روابط الأرض والتراب، وحارب من أجلها الجاهلية، وعادى من أجلها الأنبياء والرسل وأتباعهم ؛ آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشيرتهم.


على هذا؛ فمفهوم “الوطن” في “الدولة الوطنية” لا يُقصد به مجرد “موطن” الولادة أو النشأة..! بل هو مصطلح “مركّب ومعقّد!، يجمع بين الجغرافي والتاريخي والديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والثقافي واليوناني الإغريقي، لدرجة أنه لا يشابه مثيله الإسلامي في شيء..! ولا يَجمع بينه وبين المفهوم اللغوي والإسلامي للوطن إلا الاسم فقط؛ فلا يغترّ أحد بمصطلح “الوطن” المعاصر.


ثم جعل العلمانيون” من مفهومهم ـ هذا ـ للوطن التصور الممكن والوحيد لقيام أيّ “دولة” عصرية حديثة..! (أيْ: دولة “وطنية”).


فالوطنية إذن؛ هي مفهوم أيديولوجي بُني لصالح أجندات سياسية، واقتصادية ، واجتماعية يرتبط بأهداف مشروع نظام عالمي جديد، تحت سقف ما يسمى بـ “منظمة الأمم المتحدة”، ويتناقض بالكلية مع مفهوم الوطن عند جماعة المسلمين.


العلمانيون المحليون، والوطنية


وثب العلمانيون الليبراليون “من بني جلدتنا ” ـ بتحريض من “الغرب” وتمكين من السياسين ـ على مصطلح “الوطنية” من كل حدب وصوب؛ وبكل كَلَب وشراسة.

وثبوا على المناصب القيادية، ومنابر التوجيه فسيطروا عليها، وعلى وسائل الإعلام كلها فاحتكروها.


توجهوا إلى “الوطنية” فألبسوها  ثياب الإسلام، وحلّوها بأردية الوِحدة والولاء، وكسَوها أثواب التقدم والحضارة، وزينوها بمطالب النخب “المثقفة!”؛ ومنحوا أنفسهم حق الوصاية على الناس..!!


وصيّروها من  المطالب الحقوقية، أو القوانين الدولية التي تُفرض على الأمم والأديان. ودلّسوا حقيقة “الوطنية” على الناس فجعلوها وحدها دون غيرها أساساً لقيام “الدولة”..!


وأشاعوا أنه لا يمكن قيام أي دولة حديثة بدون شروطها المعيارية وقيَمها “النموذجية”!، وعابوا الدولة “الإسلامية” على أنها دولة “ثيوقراطية” تقوم على حكم الكهنوت ولا يمكن أن تكون  دولة نظام، ولا قانون، ولا دولة مؤسسات..!

فدولة النظام والمؤسسات حكرٌ على الدولة “العلمانية” “المدنية” “الوطنية”.. فقط! وهي الوسيلة الوحيدة للوحدة، ولتثبيت الحكم وإشاعة الأمن، ودعم الاستقرار في المجتمع!


مصطلحات متعددة تؤدي الى العلمانية


إن المصطلحات الرائجة اليوم؛ مثل: “الوطنية” .. “المدنية” .. “القومية” .. “القُطرية” التي تضاف لكلمة “الدولة”.. كلها مصطلحات مترادفة بمعنى واحد، وحقيقة الجميع واحدة؛ إنها “العلمانية”. على الرغم من مغالطة أو شغب بعض المنظّرين الليبراليين العلمانيين “العرب”، وغيرهم؛ حيث تستخدم هذه التباينات اللفظية للتلاعب بعقول الناس الجاهلين بحقيقة العلمانية.


والنخب تُطلِق هذه المصطلحات المترادفة: تمييزاً للدولة الوطنية عما تسميه هي بـ: “الدولة الدينية” أو “الثيوقراطية”..! والتي تزعم أنّ “رجال الدين” أو “طبقة الكهنوت” فيها هم من يتولى سنّ التشريعات للناس.. الى غيرها من المزاعم التي لا يوجد منها شيء في الإسلام الخق، لأن التشريع والحكم كله لله.


لقد وصل نفاق النخب “العلمانية” إلى حدٍّ لم يسبق له مثيل..! لقد نافقوا الحكام والسياسيين، وأوهموهم أنهم صدّقوا “كِذبتهم” أكثر منهم..! واندفعوا في تضخيم محاسن “الوطنية” لهم وللناس، وعدّدوا فضائلها، وتغنّوا بمحاسنها، وزاوَدوا في الحماسة لها أكثر من الروم أنفسهم..! وصوّروا الأمر على أنّ “دولتهم” ما لم تَظهر للعالم في صورة دولة مدنية “وطنية” فشعبها يعد همجيا متخلفاً. بل عدوا كل من يعارض “وطنيتهم” متّهما في عقله و في دينه و ولائه، يجب أن يحارب أو يؤدب. هكذا يعمل السحرة والكهنة خُفية وعلناً في بلاط السياسيين دائماً.



خاتمة


يوجد انحراف منهجي شديد في المفهوم الحديث لكلمة “الوطن” و”الوطنية”، كما يتجلى اثره على المنتسبين للاسلام الذين قبلوا التفرقة واتباع سنن اهل الكتاب، والانزياح عن المسار التاريخي المميز الذي كان عليه السلف الصالح من جماعة المسلمين.



أخونا النصير أبو عمر أجره الله

جماعة المسلمين

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
التدريس العتيق

السؤال: نحن بصدد إفتتاح التسجيل بالباك الحر هذا الموسم، ما رأيكم بفكرة للأعضاء بأن يترشحو لدراسة مسلك التعليم الأصيل شعبة العلوم الشرعية كي ندرس الفقه الإسلامي. الإجابة: الحمد لله وبعد، مأجور إن شاء

 
 
 
الجهمية المعاصرون

لماذا نقول عنهم جهمية؟ الحمد لله وبعد، نقول عنهم جهمية لأنهم وافقوا قول الجهمية في مسألة الإيمان، كيف ذلك؟ من المعلوم أن الأقوال في تعريف الإيمان ثلاثة، قول أهل السنة والجماعة، قول المرجئة وقول الجهمي

 
 
 
هل نحن خوارج؟

بسم الله الرحمن الرحيم، يوجد عدة فروق بين جماعة المسلمين والخوارج : ١. جماعة المسلمين لا تكفر صاحب الكبيرة فيما دون الشرك والخوارج يكفرون العاصي صاحب الكبيرة. ٢. جماعة المسلمين لم تخرج على إمام المسلم

 
 
 

تعليقات


جماعة المسلمين وإمامهم

البريد الإلكتروني: Imamabounacer@gmail.com

الهاتف : 00212661707896

  • بيعة الإسلام لله
  • جماعة المسلمين وإمامهم
  • Telegram
  • الصفحة الرسمية على فيسبوك
  • وتساب
bottom of page