الحروف السبعة
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 28 يونيو
- 11 دقيقة قراءة
الحروف السبعة
النصير حمزة اليمني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا اخوه هل كاتب والوحي للنبي صلئ الله عليه وسلم ارتد ابن سرح
افيدونا
النصير حمزة اليمني: يا اخي انا اسال عن كاتب الوحي يقال ان احد كتاب الوحي ارتد
النصير حمزة اليمني: نريد حل الشبهه نحن نسال الامام حفظه الله
المستقوي بالله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
ردة ابن أبي السرح
الحمد لله وبعد،
فقد نقل الطبري رحمه الله إجماع العلماء على ثبوت ردة ابن ابي السرح ، وقوله قد قلت مثل ما قال محمد صلى الله عليه وسلم. تعالى الله عما يقول المشركون علوا كبيرا.
القول في تأويل قوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا "، ومن أخطأ قولا وأجهل فعلا =" ممن افترى على الله كذبًا ", يعني: ممن اختلق على الله كذبًا, (30) فادعى عليه أنه بعثه نبيًّا وأرسله نذيرًا, وهو في دعواه مبطل، وفي قيله كاذب.
* * *
وهذا تسفيهٌ من الله لمشركي العرب، وتجهيلٌ منه لهم، في معارضة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، والحنفيِّ مسيلمة، لنبي الله صلى الله عليه وسلم، بدعوى أحدهما النبوّة، ودعوى الآخر أنه قد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم = ونفْيٌ منه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اختلاقَ الكذب عليه ودعوى الباطل.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
13555 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين, قال حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة قوله: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء "، قال: نـزلت في مسيلمة أخي بني عدي بن حنيفة، فيما كان يسجع ويتكهن به =" ومن قال سأنـزل مثل ما أنـزل الله "، نـزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح, أخي بني عامر بن لؤي, كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم, (31) وكان فيما يملي" عَزِيزٌ حَكِيمٌ", فيكتب " غَفُورٌ رَحِيمٌ", فيغيره, ثم يقرأ عليه " كذا وكذا "، لما حوَّل, فيقول: " نعم، سواءٌ". فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينـزل عليه " عَزِيزٌ حَكِيمٌ" فأحوِّله، ثم أقرأ ما كتبت, (32) فيقول: " نعم سواء " ! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة, إذ نـزل النبي صلى الله عليه وسلم بمرّ. (33)
* * *
وقال بعضهم: بل نـزل ذلك في عبد الله بن سعد خاصة .
* ذكر من قال ذلك:
13556 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوحَ إليه شيء " إلى قوله: تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ . قال: نـزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أسلم, وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم, فكان إذا أملى عليه: " سميعًا عليمًا ", كتب هو: " عليمًا حكيمًا "، وإذا قال: " عليمًا حكيمًا " كتب: " سميعًا عليمًا "، فشكّ وكفر, وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ, وإن كان الله ينـزله فقد أنـزلت مثل ما أنـزل الله ! قال محمد: " سميعًا عليمًا " فقلت أنا: " عليمًا حكيمًا " ! فلحق بالمشركين, ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي، أو لبني عبد الدار. فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجُدِعت أذن عمار يومئذ. (34) فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر, فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه, فأنـزل الله في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [سورة النحل :106] ، فالذي أكره: عمار وأصحابه = والذي شرح بالكفر صدرًا، فهو ابن أبي سرح. (35)
* * *
وقال آخرون: بل القائل: " أوحي إلي ولم يوح إليه شيء "، مسيلمة الكذاب.
* ذكر من قال ذلك:
13557 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنـزل مثل ما أنـزل الله "، ذكر لنا أن هذه الآية نـزلت في مسيلمة. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم كأنّ في يديّ سوارين من ذهب, فكبرا عليّ وأهمّاني, (36) فأوحى إليّ: أن انفخهما, فنفختهما فطارا, فأوَّلتهما في منامي الكذَّابين اللذين أنا بينهما، كذّاب اليمامةِ مُسيلمة, وكذّاب صنعاء العنسي. وكان يقال له: " الأسود ". (37)
13558 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: " أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء "، قال: نـزلت في مسيلمة.
13559- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة = وزاد فيه: وأخبرني الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أنا نائم رأيتُ في يديّ سوارين من ذهب, فكبر ذلك عليّ, فأوحي إلي أن انفخهما, فنفخهما فطارا, فأوّلت ذلك كذاب اليمامة وكذاب صنعاء العنسي. (38)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله قال: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء "، ولا تمانُع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال: " إني قد قلت مثل ما قال محمد ", وأنه ارتدّ عن إسلامه ولحق بالمشركين، فكان لا شك بذلك من قيله مفتريًا كذبًا. وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعنسيّ الكذابين، ادّعيا على الله كذبًا. أنه بعثهما نبيين, وقال كل واحد منهما إنّ الله أوحى إليه، وهو كاذب في قيله. فإذ كان ذلك كذلك, فقد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقًا على الله كذبًا، وقائلا في ذلك الزمان وفي غيره: " أوحى الله إلي", وهو في قيله كاذب، لم يوح الله إليه شيئًا. فأما التنـزيل، فإنه جائز أن يكون نـزل بسبب بعضهم = وجائز أن يكون نـزل بسبب جميعهم = وجائز أن يكون عني به جميعُ المشركين من العرب = إذ كان قائلو ذلك منهم، فلم يغيّروه. فعيّرهم الله بذلك، وتوعّدهم بالعقوبة على تركهم نكيرَ ذلك، ومع تركهم نكيرَه هم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مكذبون, ولنبوّته جاحدون, ولآيات كتاب الله وتنـزيله دافعون, فقال لهم جل ثناؤه: " ومن أظلم ممن ادّعى عليّ النبوّة كاذبًا "، وقال: " أوحي إلي"، ولم يوح إليه شيء، ومع ذلك يقول: مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ، فينقض قولَه بقوله, ويكذب بالذي تحققه, وينفي ما يثبته. وذلك إذا تدبره العاقلُ الأريب علم أن فاعله من عقله عديم .
والنقل السابق لإجماع العلماء يثبت صحة ما نقله رواة الحديث رفع الله درجاتهم وإن كان في سند الحديث ما يمنع من اعتباره حجة مستقلة يستدل بها.
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيُّ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : " أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَهُ ؟ " فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ : " إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ". رواه أبو داود والنسائي
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أبو داود.
وخلاصة الجواب في شأن ابن أبي السرح أنه قد ثبتث ردته قبل التوبة والمبايعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه صلح حاله بعد ذلك وولاه عثمان رحمه الله على مصر وكان من قادة المسلمين الفاتحين رحمه الله وغفر له.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
أبو جاد المغربي: و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته اخي حمزة جزاك الله خيرا على سؤالك.
لقد ارسل لك الاجابة الامام حفظه الله تجدها قبل رسالتي هذه.
النصير حمزة اليمني: نعم جزاك الله خيراً .
الله يحفظك يا امام
المستقوي بالله: الحمد لله وما التوفيق الا من عند الله كثرة الشبه من علامات غربة الدين وتضييع الحق وعلامة انتشار الباطل والجهل والفتن عند أهل الكتاب. لم تخبرنا ايها النصير حمزة بارك الله فيك من هو الذي طرح الشبهة وسبب طرحه لها حتى نزيدك في البيان ان شاء الله. وقد كان نصراني يكتب الوحي فارتد عن الإسلام ولفظته الأرض حين دفن.
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ : مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ. فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ. رواه البخاري ومسلم
وقال الطبري حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب : أن الذي ذكر الله إنما يعلمه بشر ، إنما افتتن لأنه كان يكتب الوحي ، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سميع عليم " أو " عزيز حكيم " وغير ذلك من خواتم الآي ، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي ، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أعزيز حكيم ، أو سميع عليم ، أو عزيز عليم؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي ذلك كتبت فهو كذلك ، ففتنه ذلك ، فقال : إن محمدا يكل ذلك إلي ، فأكتب ما شئت ، وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة .
وقال رحمة الله تعالى عليه: فقد أبان صحةَ ما قلنا الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصًّا. وذلك الخبر الذي ذكرنا:
٤٧- أن أبا كُريب حدثنا قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن حماد ابن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال جبريل: اقرإ القرآنَ على حرف. قال ميكائيل عليه السلام: استزدْه. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستَّة أو سبعةَ أحرف، فقال: كلها شافٍ كافٍ، ما لم يختم آيةَ عذاب بآية رحمة، أو آيةَ رحمة بآية عذاب، كقولك: هلمَّ وتعال.
فقد أوضح نصُّ هذا الخبر أنّ اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معانٍ موجبةٍ اختلافَ أحكامٍ.
وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبارُ عن جماعة من السَّلَف والخلف.
٤٨- حدثني أبو السائب سَلْمُ بن جُنادة السُّوَائي، قال: حدثنا أبو معاوية - وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عديّ عن شعبة - جميعًا عن الأعمش، عن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت إلى القَرَأةِ، فوجدتُهم متقاربين فاقرأوا كما عُلِّمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.#
ويزيد الأمر بيانا هذا الحديث في البخاري ومسلم:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ، حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا. فَقَالَ لِي : " أَرْسِلْهُ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ : " اقْرَأْ ". فَقَرَأَ، قَالَ : " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ". ثُمَّ قَالَ لِي : " اقْرَأْ ". فَقَرَأْتُ، فَقَالَ : " هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ ". رواه البخاري ومسلم#
قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: فإن قال : فما بالُ الأحرفِ الأُخَرِ الستةِ غيرُ موجودةٍ، إن كان الأمرُ في ذلك على ما وصَفْتَ، وقد أقْرَأَهن رسولُ اللَّهِ ﷺ أصحابَه، وأمَر بالقراءةِ بهن، وأنْزَلَهن اللَّهُ مِن عندِه على نبيِّه ﷺ، أنُسِخَت فرُفِعَت، فما الدَّلالةُ على نَسْخِها ورَفْعِها؟ أمْ نسِيَتْهن الأمةُ؟ فذلك تَضْييعُ ما قد أُمِروا بحفظِه، أم ما القصةُ في ذلك؟
قيل له: لم تُنْسَخْ فتُرْفَعَ، ولا ضيَّعَتْها الأمَّةُ وهي مأمورةٌ بحفظِها، ولكنَّ الأمَّةَ أُمِرَت بحفظِ القرآنِ، وخُيِّرَت في قراءتِه وحفظِه بأيِّ تلك الأحرفِ السبعةِ شاءَت، كما أُمِرَت إذا هي حنَثَتْ في يمينٍ وهي مُوسِرةٌ، أن تُكَفِّرَ بأيِّ الكفَّاراتِ الثلاثِ شاءت؛ إما بعتقٍ، أو إطعامٍ، أو كِسوةٍ، فلو أجْمَعَ جميعُها على التكفيرِ فيها (٢) بواحدةٍ مِن الكفاراتِ الثلاثِ، دونَ حَظْرِها التكفيرَ فيها بأيِّ الثلاثِ شاء المُكَفِّرُ، كانت مُصيبةً حُكْمَ اللَّهِ، مُؤَدِّيةٌ في ذلك الواجبَ عليها مِن حقِّ اللَّهِ. فكذلك الأمةُ أُمِرَت بحفظِ القرآنِ وقراءتِه، وخُيِّرَت في قراءتِه بأيِّ الأحرفِ السبعةِ شاءت، فرأَتْ -لعلةٍ مِن العللِ أوْجَبَت عليها الثباتَ على حرفٍ واحد- قراءتَه بحرفٍ واحدٍ، ورفْضَ القراءةِ بالأحرفِ الستةِ الباقيةِ، ولم تَحْظُرْ قراءتَه بجميعِ حروفِه على قارئِه، بما أُذِن له في قراءتِه به.#
فذكر رحمه الله أحاديث منها:
وحدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، قال: حدَّثنا أيوبُ، عن أبي قِلابَةَ، قال: لما كان في خِلافةِ عثمانَ، جعَل المُعَلِّمُ يُعَلِّمُ قراءةَ الرجلِ، والمُعَلِّمُ يُعَلِّمُ قراءةَ الرجلِ، فجعَل الغِلْمانُ يَلْتَقون فيَخْتَلِفون، حتى ارْتَفَع ذلك إلى المُعَلِّمِين، قال أيوبُ: فلا أَعْلَمُه إلا قال: حتى كفَر بعضُهم بقراءةِ بعضٍ. فبلَغ ذلك عثمانَ، فقام خطيبًا، فقال: أنتم عندي تَخْتَلِفون فيه وتَلْحَنون، فمَن نأَى (١) عني مِن أهلِ الأمصارِ أشدُّ فيه اخْتِلافًا، وأشدُّ لَحْنًا، اجْتَمِعوا [يا أصحابَ] (٢) محمدٍ، فاكْتُبوا للناسِ إمامًا. قال أبو قِلابةَ: فحدَّثني [مالكٌ أبو أنسٍ] (٣)، قال: كنتُ في مَن يُمْلَى عليهم، قال: فربما اخْتَلَفوا في الآيةِ، فيَذْكُرُون الرجلَ قد تَلَقَّاها مِن رسولِ اللَّهِ ﷺ، ولعله أن يكونَ غائبًا، أو في بعضِ البَوادِي، فيَكْتُبون ما قبلَها وما بعدَها، ويَدَعُون موضعَها حتى يَجِيءَ أو يُرْسَلَ إليه، فلما فرَغ مِن المصحفِ، كتَب عثمانُ إلى أهلِ الأمصارِ: إني قد صنَعْتُ كذا وكذا، ومحَوْتُ ما عندي، فامْحُوا ما عندَكم (٤).
حدَّثني يونُسُ بن عبدِ الأعلى، قال: حدَّثنا ابن وهبٍ، قال: أخْبَرني يونُسُ، قال: قال ابنُ شهابٍ: أخْبَرني أنسُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ، أنه اجْتَمَع لغزوةِ أَذْرَبِيجانَ وإرْمِينِيَةَ أهلُ الشامِ وأهلُ العراقِ، فتَذاكَروا القرآنَ، فاخْتَلَفوا فيه حتى كاد يَكونُ بينَهم فتنةٌ، فركِب حذيفةُ بنُ اليَمانِ لمَّا رأَى اختلافَهم في القرآنِ إلى عثمانَ، فقال: إن الناسَ قد اخْتَلَفوا في القرآنِ (٥)، حتى إني واللَّهِ لَأَخْشَى أن يُصِيبَهم مثلُ ما أصاب اليهودَ والنصارى مِن الاختلافِ. قال: ففزِع لذلك فزعًا شديدًا، فأرْسَل إلى حفصةَ، فاسْتَخْرَج الصحفَ (١) التي كان أبو بكرٍ أمَر زيدًا بجمعِها، فنسَخ منها مَصاحفَ، فبعَث بها إلى الآفاقِ (٢).
حدَّثني سعيدُ بنُ الربيعِ، قال: حدَّثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنةَ، عن الزهريِّ، قال: قُبِض النبيُّ ﷺ ولم يَكُنِ القرآنُ جُمِع، وإنما كان في الكَرانيفِ (٣) [والعُسُبِ والسَّعَفِ] (٤).
حدَّثنا سعيدُ بنُ الربيعِ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن مُجالِدٍ، عن الشعبيِّ، عن صَعْصَعةَ، أن أبا بكرٍ أولُ مَن ورَّث الكَلالةَ، وجَمَع المصحفَ (٥).
قال: وما أشبهَ ذلك مِن الأخبارِ التي يَطولُ باستيعابِ جميعِها الكتابُ، والآثارِ الدالةِ على أن إمامَ المسلمين وأميرَ المؤمنين عثمانَ بنَ عفانَ رحمةُ اللَّهِ عليه، جَمَع المسلمين؛ نظرًا منه لهم، وإشْفاقًا منه عليهم، ورأفةً منه بهم، حِذارَ الرِّدَّةِ (٦) مِن بعضِهم بعدَ الإسلامِ، و (٧) الدخولِ في الكفرِ بعدَ الإيمانِ، إذ ظهَر مِن بعضِهم بمحضَرِه وفي عصرِه التكذيبُ ببعضِ الأحرفِ السبعةِ التي نزَل عليها القرآنُ، مع سَماعِ أصحابِ رسولِ اللَّه ﷺ مِن رسولِ اللَّهِ ﷺ النهيَ عن التكذيبِ بشيءٍ منها، وإخبارِه إياهم أن المِراء فيها كفرٌ، فحمَلهم رحمةُ اللَّهِ عليه، إذ رأَى ذلك ظاهرًا بينَهم في عصرِه، وبحَداثةِ عهدِهم بنزولِ القرآنِ، وفِراقِ رسولِ اللَّهِ ﷺ إياهم، بما أمِن عليهم معه عظيمَ البلاءِ في الدينِ؛ مِن تلاوةِ القرآنِ على حرفٍ واحدٍ، وجَمَعهم على مصحفٍ واحدٍ (١)، وخرَّق (٢) ما عدا المصحف الذي جَمَعهم عليه، وعزَم على كلِّ مَن كان عندَه مصحفٌ مُخالِفٌ المصحفَ الذي جَمَعَهم عليه أن يُخَرِّقَه (٣)، فاسْتَوْثَقَت له الأمةُ على ذلك بالطاعةِ، ورأَت أن فيما فعَل مِن ذلك الرشدَ والهدايةَ، فترَكَت القراءةَ بالأحرفِ الستةِ التي عزَم عليها إمامُها العادلُ في تركِها، طاعةً منها له، ونظرًا منها لأنفسِها ولمن بعدَها مِن سائرِ أهلِ ملَّتِها، حتى دَرَسَت مِن الأمةِ معرفتُها، وتعَفَّت آثارُها، فلا سبيلَ اليومَ لأحدٍ إلى القراءةِ بها، لدُثورِها وعُفُوِّ آثارِها، وتتابعِ المسلمين على رفضِ القراءةِ بها، مِن غيرِ جُحودٍ منها (٤) صحتَها وصحةَ شيءٍ منها، ولكن نظرًا منها لأنفسِها ولسائرِ أهلِ دينِها، فلا قراءةَ للمسلمين اليومَ إلا بالحرفِ الواحدِ الذي اخْتارَه لهم إمامُهم الشفيقُ الناصحُ، دونَ ما عداه مِن الأحرفِ الستةِ الباقيةِ.
فإن قال بعضُ مَن ضعُفَت معرفتُه: وكيف جاز لهم تركُ قراءةٍ أقْرَأَهموها رسولُ اللَّهِ ﷺ وأمَرهم بقراءتِها؟
قيل: إن أمرَه إياهم بذلك لم يَكُنْ أمرَ إيجابٍ وفرضٍ، وإنما كان أمرَ إباحةٍ ورُخْصةٍ؛ لأن القراءةَ بها لو كانت فرضًا عليهم، لَوجَب أن يكونَ العلمُ (٥) بكلِّ حرفٍ مِن تلك الأحرفِ السبعةِ عندَ مَن يَقومُ بنقلِه الحُجَّةُ، ويَقْطَعُ خبرُه العذرَ، ويُزِيلُ الشكَّ مِن قَرَأَةِ الأمةِ، وفي تركِهم نقلَ ذلك كذلك أوضحُ الدليلِ على أنهم كانوا في القراءةِ بها مُخَيَّرِين، بعدَ (١) أن يكونَ في نَقَلةِ القرآنِ مِن الأمَّةِ مَن تَجِبُ بنقلِه الحجةُ ببعضِ تلك الأحرفِ السبعةِ، فإذ (٢) كان ذلك كذلك، لم يَكُنِ القومُ بتركِهم نقلَ جميعِ القراءاتِ السبعِ تارِكِين ما كان عليهم نقلُه، بل كان الواجبُ عليهم مِن الفعلِ ما فعَلوا، إذ كان الذي فعَلوا مِن ذلك، كان هو النَّظَرَ للإسلامِ وأهلِه، فكان القيامُ بفعلِ الواجبِ عليهم بهم أولى مِن فعلِ ما لو فعَلوه كانوا إلى الجنايةِ على الإسلامِ وأهلِه أقربَ منهم إلى السلامةِ مِن ذلك.
فأما ما كان مِن اختلافِ القرأةِ في رفعِ حرفٍ وجرِّه ونصبِه، وتَسْكينِ حرفٍ وتحريكِه، ونقلِ حرفٍ إلى آخرَ، مع اتفاقِ الصورةِ، فمِن معنى قولِ النبيِّ ﷺ: "أُمِرْتُ أن أقْرَأَ الْقُرْآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ" - بمَعْزِلٍ؛ لأنه معلومٌ أنه لا حرفَ مِن حروفِ القرآنِ مما اخْتَلَفَت القرأَةُ في قراءتِه بهذا المعنى يُوجِبُ المِراءُ به كفْرَ المُمارِي به في قولِ أحدٍ مِن علماءِ الأمةِ (٣).
وقد أوْجَب ﷺ بالمراءِ فيه الكفرَ مِن الوجهِ الذي تَنازَع فيه المُتَنازِعون إليه، وتَظاهَرَت عنه بذلك الروايةُ، على ما قد قدَّمْنا ذكرَها في أولِ هذا البابِ.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. والسلام


تعليقات