التوبة: نداء عالمي إلى الأديان كافة
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 2 أغسطس
- 3 دقيقة قراءة
التوبة: نداء عالمي إلى الأديان كافة
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا العالم المتناقض، حيث تتعدد الأديان وتتشعب المعتقدات إلى مئات بل آلاف الطرق، تجد الجيل الحاضر حائرًا أمام هذا الكم الهائل من التصورات المتناقضة حول الإله والنبوة والخير والشر والعدل. كل دين يدّعي امتلاك الحقيقة، ومع ذلك فإن الحق لا يمكن أن يكون متعدّدًا بتعدّد هذه الأديان، إذ التناقض في الأصول يمنع وحدة الصواب، ويستحيل أن تكون كل هذه المتناقضات حقًا في الوقت ذاته.
وإذا كانت الحقيقة واحدة، فإن هذا يستدعي، – ولو بغير استناد إلى الدين، بل بمنطق العقل وحده – أن تكون كل الديانات الأخرى باطلة، وأن البشرية مطالبة بتوبة جماعية عن ضلال توارثته عن الآباء والأجداد.
ما نراه من تمسك الناس بدياناتهم ليس عن اقتناع عقلي متين، بل هو في جوهره دفاع غريزي عن الموروث. فالناس لا يعبدون إلهًا توصّلوا إليه عن طريق الدليل، بل يعبدون ما وجدوا عليه آباءهم، مكررين سيرة الأقوام السابقة.
إذا سلّمنا أن أكبر ديانة على وجه الأرض لا يتجاوز أتباعها ملياري إنسان، فإن هذا يقتضي بالضرورة أن هناك ما لا يقل عن ستة مليارات يعيشون – أو تتم تنشئتهم – على أديان باطلة. بل حتى داخل تلك الديانات الكبيرة، تتعدد الفرق والمذاهب، ويتناقض أتباعها في تصورهم لجوهر الإيمان.
ومن هنا، فإن التوبة عن هذا الإرث العقدي المنقسم ليست فقط مطلبًا دينيًا، بل مسؤولية إنسانية، لأن البقاء على الباطل له كلفة وجودية، ومآل حضاري خطير، وأثر أخلاقي على الإنسانية برمتها، وخاصة في هذا الزمن الذي توفرت فيه وسائل التكنولوجيا والتواصل، واقترب العالم من أن يصبح كالقرية الواحدة.
لقد آن الوقت، وبات ملحا أكثر من أي وقت مضى، أن تعيد البشرية النظر في كل ما ورثته من المعتقدات، وأن تعترف بإمكانية وقوعها في الخطأ، بل بضرورته إذا كانت قد آمنت بما لم تثبت صحته بالعقل، أو اتبعت رجال دين بدل اتباع الحجة. وإن أولى خطوات الإصلاح تبدأ بالاعتراف، والاعتراف يقتضي التوبة، والتوبة تتطلب الشجاعة في مواجهة الحقيقة مهما كانت مؤلمة.
ومن أجل ذلك، يجب على العالم أن ينظّم مناظرة عالمية كبرى بين الأديان، يدلي فيها كل مذهب بدليله، ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن. ولضمان النزاهة، فإن التحكيم يجب أن يُسند إلى ذكاء اصطناعي محايد، إن وجد. ذكاء لا يعتريه الهوى، ولا ينتمي إلى طائفة، بل يُبرمج على المبادئ المنطقية البحتة التي تحلل الحجة وتفككها وتعطي القرار بناءً على البرهان.
نحن بحاجة إلى ترسيخ مبدأ الاعتراف بالخطأ، ليس على المستوى الفردي فقط، بل على مستوى الشعوب والحضارات.
نعم، يمكن أن يكون شعب بأكمله قد عاش قرونًا في ضلالة، وهذه حقيقة يجب أن تُواجه، لا أن تُوارى خلف شعارات "التعايش"، التي تحولت – للأسف – إلى ذريعة لتعطيل النقاش الجاد، وتمرير التناقضات دون حل.
التعايش شيء، وتصويب جميع الأديان المتناقضة شيء آخر تمامًا. فحينما يقولون إن كل الأديان على صواب، فإنهم في الحقيقة يريدون إفراغها من معناها، ومنح الشرعية للباطل باسم التسامح. وهذه مغالطة مميتة، لأن الحقيقة لا تتعدد، والعدل لا يستقيم مع التناقض.
لقد عملت الحركات الإلحادية واللادينية على ترويج فكرة أن جميع الأديان صحيحة، لكن هذه الدعوى – في حقيقتها – تعني أن جميع الأديان باطلة، لأنها تقوم على المساواة بين المتناقضات، لا بقصد الإنصاف، بل بهدف تعطيل الجدل، وتحويل الدين إلى مجرد تقليد فولكلوري فارغ المحتوى، يصلح فقط للعرض في المتاحف لا للتطبيق في الواقع.
والواقع أن من يؤمن بدين حق لا يمكنه أن يسوّغ صحة سائر الأديان، لأنه إن فعل ذلك فقد نقض أساس إيمانه، واعترف ضمنًا بباطله. إن العدو المشترك للباحثين عن الحقيقة هو الكذب البنيوي والتزوير المستمر والمخادعة المزمنة والاحتيال الاستراتيجي، الذي لا يمكن أن يكون منبعه دين الحق، ولذلك يجب أن تتكلم الشعوب بصراحة، وإن كان ثمن الحقيقة أغلى من ثمن الراحة.
إن المودة المبنية على الوهم أكثر ضررا من العداوة القائمة على الصدق، وأن تكون في صراع وأنت على حق، خير من أن تعيش في طمأنينة مزيفة وأنت على باطل، ولا يحق لنا أن نلوم المطالب بحقه ولكن سبب النزاع هو الظالم.
ختامًا، التوبة ليست مجرد تخلٍّ فردي عن خطأ، بل هي ثورة فكرية وجماعية ضد تراكمات القرون، وهي الوعي الشجاع بأن التاريخ مليء بالضلال، وأن النور لا يسطع إلا لمن أنار عقله، وأخلص قلبه، وطلب الحق من أجل الحق، ونظرا لمصلحة الأجيال القادمة واستصلاحا لطريق الأبناء والأحفاذ.
واذا كان الآباء ذوو حقوق متعددة الا انهم لا حق لهم في اجبار الاولاد على الضلالة والجهالة والعدوان والإجرام، ولا شك أنهم لو علموا الحق وكانوا حريصين على الخير وأحبوا أولادهم محبة صادقة، لم يكن لهم خيار إلا أن يقبلوا هداية أبناءهم إلى الحق، ونجاتهم من الوهم والضلالة.
والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد


تعليقات