أهل الفترة حديث ضعيف
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 7 أكتوبر
- 8 دقيقة قراءة
التحقيق في حديث "أربعة يدلون على الله بحجة وعذر" :
هذا الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أهل الفترة وموقفهم يوم القيامة، من حيث الدراسة الحديثية والفقهية والعقدية، يتبين ضعفه وعدم ثبوته لأسباب واضحة نوردها فيما يلي:
أولاً: الدراسة الحديثية
النصوص الواردة مع ذكر العلل :
1. رواية إسحاق بن راهويه:
أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، نا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ يُدْلِي عَلَى اللَّهِ بِحُجَّةٍ وَعُذْرٍ: رَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، وَرَجُلٌ مَاتَ هَرِمًا، وَرَجُلٌ مَعْتُوهٌ، وَرَجُلٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ..."
العلة: في السند علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف الحديث. قال يحيى بن سعيد القطان: "كان يتقي حديثه". وقال ابن معين: "ليس بالقوي".
2. رواية مصنف ابن أبي شيبة:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: "يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ... وَيُؤْمَرُ الْمَعْتُوهُ وَالَّذِينَ مَاتُوا فِي الْفَتْرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ..."
العلة:
الحديث مرسل لأنه عن أبي صالح، وهو غير مسند عن النبي ﷺ. وابو صالح صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث ضعيف، ضعفه النسائي وابو زرعة ويحيى بن معين.
3. رواية السنة لابن أبي عاصم:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ...
العلة:
علي بن زيد بن جدعان:
قال ابن معين في "معرفة الرجال": "ضعيف الحديث"، وذكر أنه يروي ما لا يُحتمل.
4. رواية مسند أحمد:
> حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..."
العلة:
معاذ بن هشام الدستوائي:
قال يحيى بن معين في "تاريخ ابن معين برواية الدوري": "ليس بثقة".
قال الدارمي: "ما حدث بالبصرة ففيه أغاليط"، مما يدل على عدم ضبطه لرواياته.
أشار الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" إلى أنه قد خالف أصول العقيدة، حيث نقل عنه أنه قال: "المعاصي ليست من قدر الله".
ووالده هشام بن أبي عبد الله فيه اضطراب في حديث قتادة، كما أن الحديث عن قتادة معروف بالإرسال.
5. رواية تفسير عبد الرزاق:
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ أَهْلَ الْفَتْرَةِ..."
العلة:
عبد الرزاق الصنعاني:
أشار النسائي في "الضعفاء والمتروكين": "يكتب حديثه ولا يحتج به".
ذكر ابن معين أنه "ضعيف بعد ذهاب بصره"، كما ورد في "معرفة الرجال".
6. رواية مسند البزار:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ...
العلة: العلل نفسها الواردة في رواية مسند أحمد. معاذ بن هشام عن ابيه عن قتادة سند ضعيف.
7. رواية جامع البيان للطبري:
> حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أبي هريرة...
العلة: قتادة بن دعامة رحمه الله عراقي بصري ، وهذه أقوال السلف في معمر بن راشد حال روايته عن اهل العراق:
يحيى بن معين قال: "إذا حدث معمر عن العراقيين فخالفوه، إلا عن الزهري وابن طاووس، فإن حديثه عنهما مستقيم".
(تاريخ ابن معين رواية الدوري).
أبو حاتم الرازي قال: "ما حدث معمر بالبصرة ففيه أغاليط".
(الجرح والتعديل، ج8، ص319).
الإمام أحمد بن حنبل قال: "حديث معمر عن أهل العراق مضطرب".
(العلل ومعرفة الرجال، رواية عبد الله بن أحمد، ج2، ص86).
الدارمي قال: "إذا حدث معمر بالبصرة أتى بأشياء منكرة".
(تاريخ الدارمي).
8. رواية مسند ابن الجعد:
> حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ...
العلة: في السند فضيل بن مرزوق وعطية العوفي، وكلاهما ضعيف.
عطية العوفي:
قال البخاري في "التاريخ الكبير": "كان يحيى لا يروي عنه".
وقال أحمد بن حنبل في "سؤالات ابنه عبد الله": "ضعيف الحديث".
الفضيل بن مرزوق:
قال أبو زرعة الرازي: "ضعيف".
ذكروا أنه كان متّهماً بالتشيع.
العلة الأساسية في جميع الأسانيد هي وجود رواة ضعفاء أو متهمين بالبدعة مثل علي بن زيد بن جدعان، وعطية العوفي، وفضيل بن مرزوق.
الحديث يفتقد السند الصحيح، كما أن متنه مضطرب ومخالف لأصول العقيدة ولفقه الأحكام وذلك ما سنتطرق اليه.
الاضطراب في المتن:
تعدد الروايات المختلفة:
1. روايات ذكرت أربعة موصوفين:
الموصوفون هم: الميت في الفترة، الهرم، الأصم الأبكم، المعتوه.
المصادر: إسحاق بن راهويه، أحمد، البزار.
2. روايات اقتصرت على ثلاثة موصوفين:
الموصوفون: الميت في الفترة، الهرم، المعتوه.
المصادر: الطبري، ابن أبي شيبة.
3. روايات أضافت موصوفًا جديدًا:
الموصوفون: الميت في الفترة، المعتوه، المولود.
المصدر: ابن الجعد (المولود مضافًا).
الخلاصة:
هذه الفروقات تؤكد وجود اضطراب في متن الحديث من حيث عدد الموصوفين وأوصافهم، مما يتوضح معه عدم صحة هذا الحديث، سواء من حيث السند أو المتن.
---
ثانياً: التحقيق الفقهي
الدراسة الفقهية للحديث فيما يتعلق بالأصم والشيخ الكبير:
1. تكليف الشيخ الكبير:
الحكم الشرعي:
الشيخ الكبير الذي أدرك الإسلام مكلف بالتوحيد والعمل بما يستطيع من أوامر الشريعة، ولا يُعذر بكبر سنه إذا كان عاقلًا.
الدليل على ذلك ما ثبت عن النبي ﷺ عندما دعا عمه أبا طالب وهو على فراش الموت إلى التوحيد، وقال: "يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله." (رواه البخاري ومسلم).
هذا يبين أن الشيخ الكبير يُكلَّف بالإيمان والعمل ما دام عقله سليمًا.
قال الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" (التغابن: 16)، وهذا يشمل التوحيد وأعمال الطاعة حسب الاستطاعة.
قال الشافعي في "كتاب الأم" عند الحديث عن الحج:
"والزمن والزمانة التي لا يُرجى البرءُ منها، والهرم في هذا المعنى. ثم يُفارِقهم المريض، فلا نأمره أن يبعثَ أحدًا يحجُّ عنه، ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحجُّ عنهما."
(باب حج العاجز، "الأم"، ج2، ص233).
حديث المرأة الخثعمية:
"يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم."
(رواه البخاري ومسلم).
حديث الرجل الذي سأل عن أبيه:
"إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟ قال: نعم."
(رواه أحمد وأبو داود).
هذا يدل على أن الشيخ الكبير يُطالَب بأداء العبادات وفق استطاعته، وإن عجز بدنيًا جاز أن يُؤديها عنه غيره. ولو كان يمتحن في الآخرة لكانت التكاليف عنه ساقطة والاثم عنه موضوع.
---
2. تكليف الأصم:
الحكم الشرعي:
الأصم الذي لا يسمع مكلف بالتوحيد وأوامر الشريعة إذا كان عاقلًا مدركًا.
قال الإمام الشافعي في "كتاب الأم" عند الحديث عن الجمعة:
"وتجب الجمعة على أهل المِصْر وإن كثر أهلُه حتى لا يسمع أكثرُهم النداءَ؛ لأن الجمعةَ تجِبُ على أهل المِصْر الجامعِ، وعلى من كان خارجًا من المصر إذا سمعَ النداءَ، وكان المنادي صَيِّتًا، وكان من ليس بأصمَّ مستمعًا، والأصواتُ هادئةٌ، والريحُ ساكنةٌ. ولو قلنا: حتى يسمع جميعُهم ما كان على الأصم جمعةٌ، ولكن إذا كان لهم السبيلُ إلى علمِ النداءِ بمَن يسمعه منهم فعليهم الجمعةُ؛ لقول الله تبارك وتعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]."
(باب الجمعة، "الأم"، ج2، ص236).
فالأصم مشمول بالتكليف في أداء العبادات ومنها صلاة الجمعة، حيث يُعتبر ملزمًا بمعرفة النداء للجمعة بوسائل أخرى، ما دام له السبيل لمعرفة الدعوة إلى الصلاة.
الخلاصة:
الأصم والشيخ الكبير مشمولان بالتكليف الشرعي في أداء العبادات بما يتناسب مع حالتهما. الأصم ملزم بمعرفة النداء لصلاة الجمعة، والشيخ الكبير ملزم بما يستطيعه، وإذا عجز عن الحج وجب عليه أن ينيب من يحج عنه.
الحديث يشير إلى أن الشيخ الكبير والأصم يُختبران يوم القيامة، وهذا يخالف الأحكام الفقهية التي وضحت بانهم مخاطبون بالتكليف في الدنيا.
لا يوجد نص شرعي ولا أثر من السلف على أن الأصم أو الشيخ الكبير يُعذران في التوحيد، بل هما مخاطبان بقدرهما، وفق قوله تعالى: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" (البقرة: 286).
---
ثالثاً: التحقيق العقدي في حديث "أربعة يدلون بحجة"
---
أولاً: عدم عذر الميت في الفترة بالجهل
1. الأدلة القرآنية:
قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (التوبة: 6).
سماهم الله "مشركين" قبل سماعهم لكلام الله.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة: 6).
وصفهم بالكفر قبل وبعد البلاغ.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
عموم الآية يشمل كل أنواع الشرك، سواء كان بعد الرسالة أو قبلها.
قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} (المائدة: 72).
الحكم على المشرك بالنار عام ولا يخرج من الحكم العام شيء خاص الا بدليل صحيح، واما الحديث الضعيف والمضطرب فلا يصح من أجل تخصيص العموم.
2. التفصيل في عذر الإكراه والخطأ دون الجهل:
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (النحل: 106).
استثنى الله المكره، ولم يذكر الجاهل.
حديث النبي ﷺ: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ".
يثبت أن المخطئ معذور، لكن الجهل في التوحيد لا يعذر.
وكذلك اجمع الفقهاء على أن العلم وانتفاء الجهل ليس شرطا للردة في الشرك الأكبر، بل اشترطوا العقل والإرادة لصحة الردة، ولم يشترطوا العلم.
الصغير والمجنون والمكره لا تصح ردتهم بالإجماع.
الجاهل لم يُعذر، ولم يقل أحد من السلف أن الجهل يعصم في الشرك الأكبر.
هذا يظهر في كتب الفقه مثل:
"الأم" للإمام الشافعي.
ردة الصغير:
"فإذا كان الرجل صغيرًا أو مجنونًا فارتد في حال صغره أو جنونه، لم يحكم عليه بالردة؛ لأن الصغير والمجنون لا حكم لقولهما، ولا تصرف لهما في حال صغرهما وجنونهما."
نص كلام الإمام الشافعي حول ردة المكره:
قال الإمام الشافعي:
"وإذا أُكره الرجل على الكفر فأظهره بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، لم يكن كافرًا؛ لأن الله عز وجل قال: 'إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ'."
وفي المدونة الكبرى للإمام مالك:
في ردة الصبي:
قلت: أرأيت الصبي إذا ارتد، أيقتل أم لا؟ قال: ليس على الصبي حد في شيء من ذلك حتى يحتلم. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق."
نص كلام الإمام مالك حول ردة المكره:
"قلت: أرأيت من أُكره على الكفر فأظهره بلسانه ولم يفعله بقلبه، أيُقتل أم لا؟ قال: لا يُقتل. وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: 'إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ' (النحل: 106)."
وإنما يشترط العلم في إكفار من جحد الشرائع، فلا يكفر الا من بلغه الخبر القاطع للحجة، بخلاف من عبد عيسى والصليب والاصنام والنيران، فالحجة قائمة عليهم بالعقل والفطرة.
نص كلام الشافعي حول الجاهل بالشرائع:
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم:
"ومن جهل شيئًا من شرائع الإسلام مما يمكن أن يجهله مثله، بيّن له، فإن أصرّ بعد البيان، حكم بردته، وأقيم عليه الحد."
وفي المدونة الكبرى:
"قلت: أرأيت المرتد عن الإسلام أيستتاب أم لا؟ قال: نعم، يستتاب. فإن تاب، وإلا قتل. إلا أن يكون جهل شيئًا من الإسلام فيعلَّم، فإن ثبت على الكفر بعد التعليم قتل." (المدونة الكبرى، كتاب الحدود)
ثانياً: علاقة الحديث بالقدرية
اكثر روايات الحديث فيها راو من البصرة، وهي مركز القدرية. ولم نجد للحديث سندا عن بلد سوى البصرة والكوفة في العراق. والأسانيد الموجودة كلها ضعيفة.
علما بأن أول من قال بالقدر معبد الجهني، وهو من البصرة، حيث نشأت هذه البدعة.
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، قَالَ : كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ. رواه مسلم
وبنشر القدرية لهذا الحديث يتبين جهلهم بالتشكيك في عدل الله وإثارة الشبهات حول استحقاق الشيخ الكبير والميت في الفترة النار مع ان نصيبهم من البلاغ الشرعي ليس بمتساوي، مما يتناسب مع عقيدة القدرية.
كأنهم يقولون لماذا يدخل النار من لم تبلغه الرسالة؟ جهلا منهم لشريعة الرحمن واعراضا عن التسليم لقدر الله والإذعان لحكمه والاستسلام لحكمته وعدالته وتدبيره.
ثالثا: دور أهل الكتاب في نشر الحديث
1. دعم الشبهة لنصرة باطلهم:
اشتهر الحديث بين أهل الكتاب لتبرير عقيدتهم في عذر المشركين.
دينهم القائم على نبذ الولاء والبراء يجعلهم يتمسكون بأي شبهة تساوي بين التوحيد والشرك.
والهدف تبرير موالاتهم للمشركين وإنكار معالم الدين القائمة على التوحيد.
فهذا الحديث يدعم التوجه الجهمي في تبرير الكفر وإبطال التوحيد. ويريدون استخدامه لإبطال أساس الإسلام الذي يفرق بين الإيمان والكفر واقرار الجاهلية التي تريد التسوية بين المؤمنين والكفار.
الخلاصة
الحديث لا يصح من الناحية الإسنادية، مع الإشارة إلى أن تضعيف الحديث لا ينبغي أن يوهم الإنتقاص من قدر جميع رواته، بل منهم علماء أجلاء ورواة صادقون روى عنهم البخاري ومسلم وابن جرير أحاديث صحيحة وآثار نفيسة. غير أن روايتهم لهذا الحديث لم تستوفي شروط الصحة التي تجعلها حجة يعتمد عليها.
كذلك الحديث لا يصح من الناحية المتنية بسبب الاضطراب الواضح.
الحديث لا يصح من الناحية الفقهية لأن الشيخ والأصم مخاطبون بالتكليف.
من الناحية العقدية، لا يتفق مع نصوص القرآن والسنة والإجماع، بل يوافق اهواء القدرية التي نشأت في البصرة، ويوافق اهواء الجهمية واهل الكتاب في ابطال التوحيد وموالاة المشركين. وهذا يبين دوافع وضع هذا الحديث ونشره لإثارة الشبهة في أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة.
فتبين ضعف واعتلال هذا الحديث من جميع الأوجه، والحديث الضعيف لا يصح الاحتجاج به من أجل إثبات حكم شرعي، فضلا عن أن يقوم بتخصيص حكم قطعي معلوم من الدين بالضرورة ومتعلق بأصل الدين، وهو خلود المشركين في النار وعدم عذرهم بجهل التوحيد. فلو كان هذا الحديث صحيح السند لكان مع ذلك مرجوحا بما هو أقوى منه حجة وإسنادا وثبوتا ودلالة.
وما التوفيق الا من عند الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
المستقوي بالله
جماعة المسلمين


تعليقات