أمور دنياكم
- جماعة المسلمين وإمامهم

- 23 يونيو
- 5 دقيقة قراءة
ما هي الأمور الدنيوية التي الأصل فيها الإباحة؟
الحمد لله وصلى الله وبارك على نبينا محمد ورد في الحديث عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ : " لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ ". قَالَ : فَخَرَجَ شِيصًا ، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ : " مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ " قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ : " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ". روام مسلم. فهذا يدل على أن الأمور الدنيوية المتعلقة بالصناعات والحرف والمعاش والعمران والطب والزراعات والبضاعات والخدمات فهذه أمور لا تحتاج في جميع أجزاءها إلى مراجع من الكتاب والسنة ، وعلى سبيل المثال فان صانع السيارة والطائرة اعلم بصنعته ممن عداه من الناس ومع العلم ان الله تعالى خالق كل شيء فان كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يرد فيهما وصف لكيفية تلك الصناعات غير اننا نعلم تحريم استعمال هاته المصنوعات فيما حرمه الله فلا تستعمل الطائرة في قتل الأبرياء ولا تستعمل السيارة في سياقة متهورة تعرض حياة الناس للخطر ولا يستعمل الهاتف في نشر الباطل ولا يستعمل التلفاز في مشاهدة ما حرم الله وكذلك القول في إنجاز الطريق والقناطر والبنايات المرتفعة فهذا جائز سواء كانت البناية من طابقين او عشرين او مائة فان الشرع لا يحرم ذلك كله وكان مصعد او لم يكن وكان في الطابق شقتان او خمس او اكثر وعدد الغرف ونوعية الطلاء والابواب والارضية والحمامات والنوافذ وغير ذلك فان البناء لا يتطلب مراجع شرعية ولكن مرده الى العلم الدنيوي والتجارب والحسابات شريطة ان لا يخالف الضوابط الشرعية العامة فلا يكون الحمام على سبيل المثال مكشوفا امام الجيران او العامة لكي لا تنكشف عورات الناس ولا يبنى البيت فوق ارض مغصوبة ولا بمال محرم ولا يبخس العمال أجورهم والعمال لا يغشون ولا يخذعون صاحب البيت وهكذا وكذلك الطبيب يجري العملية او يصف العلاج يكون اعلم بذلك من غيره شريطة ان ينصح للمريض ولا يغشه ولا يكشف العورات بغير ضرورة او يصف للمريض استماع الاغاني والمعازف كما يفعل الاطباء النفسيون هداهم الله
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾يقول تعالى ذكره: يعلم هؤلاء المكذّبون بحقيقة خبر الله أن الروم ستغلب فارس، ظاهرا من حياتهم الدنيا، وتدبير معايشهم فيها، وما يصلحهم، وهم عن أمر آخرتهم، وما لهم فيه النجاة من عقاب الله هنالك، غافلون، لا يفكرون فيه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تُمَيْلة يحيى بن واضح الأنصاري، قال: ثنا الحسين بن واقد، قال: ثنا يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظاهِرا مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ يعني معايشهم، متى يحصدون ومتى يغرسون.⁕ حدثني أحمد بن الوليد الرمليّ، قال ثنا: عمرو بن عثمان بن عمر، عن عاصم بن عليّ، قال: ثنا أبو تميلة، قال: ثنا ابن واقد، عن يزيد النحويّ، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ﴿يعلَمونَ ظاهِرًا من الحَياةِ الدُّنْيا﴾ قال: متى يَزْرَعون، متى يَغْرِسون.⁕ حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثني شرقي، عن عكرمة في قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: هو السراج أو نحوه.⁕ حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس الضبعي، قال: ثنا أبو قُتَيبة، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، عن عكرِمة في قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ : قال السراجون.⁕ حدثنا أحمد بن الوليد الرملي، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، عن عكرِمة في قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: الخرازون والسراجون.⁕ حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: معايشهم، وما يصلحهم.⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله.⁕ حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة، وعن منصور، عن إبراهيم ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: معايشهم.⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ﴿ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال.⁕ حدثني ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: معايشهم، وما يصلحهم.⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم مثله.⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من حرفَتها وتصرّفها وبغيتها، ﴿وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ .⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، قال: يعلمون متى زرعهم، ومتى حصادهم.⁕ قال: ثنا حفص بن راشد الهلالي، عن شعبة، عن شرقي، عن عكرِمة ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: السراج ونحوه.⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: صرفها في معيشتها.
وكذلك القول في البيع فان للمسلم ان يتاجر بما يختاره من البضائع وليس ملزما بنوع واحد من التجارة بل له ان يتاجر بالمواد الغذائية بمختلف أنواعها إلا ما حرم منها كالخمر والخنزير والميتة والدم، كما للمسلم ان يتاجر بمواد البناء او السيارات او الادوية النافعة . ولكن هذا لا يعني ان الشريعة لا تتدخل في البائع بل توجب على التاجر اخراج الزكاة وعدم الغش في الميزان وبيان العيب وعدم بيع الضار وما انتهت صلاحيته.
وفي الزراعة فان للفلاح زراعة ما يرى من الخضر والفواكه الا ان يكون عنبا معدا للخمر او تكون عشبة تستعمل كمخذر وفيما سوى ذلك مما دل الدليل على تحريمه فللفلاح الاختيار في زراعة التمر او الزيتون او البطاطس او الجزر او الخضر بانواعها او الفاكهة او انواع الزرع لا تملي عليه الشريعة اي زراعة ينبغي له التزامها شريطة اخراج زكاة ما تجب فيه الزكاة واعطاءها فقراء المسلمين. وشريطة عدم الزراعة في ارض مغصوبة او استعمال مال محرم او بخس العمال أجورهم، وشريطة عدم غش العمال لصاحب الضيعة.
وكذلك يقال في باقي الحرف والخدمات.
فهذا فيما يخص المعايش ، وكذلك الطعام واللباس فانهما من الامور الدنيوية التي للمسلم اختيار ما شاء منها فلا تلزمه الشريعة باكل السمك دون اللحم ولا اللحم دون السمك او تلزم بنوع محدد من الفاكهة والخضر والقطنية والفطائر بل كل حسب امكاناته وحسب عادته ومن الخطأ الزام المسلمين بنوع دون الآخر شريطة ان لا يكون تبذير أو يكون فيما يأكلون محرم أو ضار أو مغصوب أو مسروق ، وكذلك القول في اللبس فان الشرع لا يلزمك بثوب دون آخر او لون دون آخر الا ما دل الدليل على تحريمه كالمعصفر والكاشف للعورة والثوب المجاوز للكعبين للرجل والثوب المسروق والمشبه بالكفار والمشبه للنساء بالرجال او المشبه للرجال بالنساء
وبهذا يتبين أن الأمور الدنيوية تبقى خاضعة لضوابط الشريعة فما جعلت الشريعة للناس من أمور الدنيا الاصل فيه الاباحة لم يلزمهم فيه دليل شرعي لاباحته ولا يحرم منه الا ما دل الدليل على تحريمه، وما جعلت الشريعة الاصل فيه التحريم كسائر الشعائر التعبدية فلا يشرع منه الا ما دل الدليل على مشروعيته.
وما توفيق جماعة المسلمين وإمامهم الا بالله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد وصلى الله وبارك على نبينا محمد


تعليقات