top of page

هذه دعوتنا

إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.


أ‌.    التوحيد
إن أول ركن من أركان الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله، ومعناها توحيد الله وعبادته وحده والكفر بما عبد دونه.

في صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الإسلام على خمسة على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج. وفي رواية: بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: على أنْ يُعبدَ اللهُ ويُكفرَ بما دونهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ.

فلا يتحقق الإسلام إلا بالكفر بالطاغوت، وهو كل ما عبد من دون الله، قال الله عز وجل: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ".

والتوحيد ضده الشرك، فمن يشرك بالله فإنه لم يكفر بالطاغوت ولم يصر مسلما بل بقي كافرا. وقد أخبر الله عز وجل عن أنواع الشرك والكفر في القرآن منها: 
عبادة غير الله:
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
دعاء غير الله:
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ
من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوها ويتقرب إليها:
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ
استحلال ما حرم الله:
وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
تحليل ما حرم الله:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
الغلو في طاعة العلماء:
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
التشكيك في البعث:
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا
وضع التشريعات والانقياد لها:
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
الاستهزاء بالدين:
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
تعليم السحر وتعلمه:
اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ 
الرضى بالكفر:
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا
النطق بالكفر:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
إنكار البعث:
وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
اتخاذ الكافرين أولياء:
لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
عدم الالتزام بطاعة الله ورسوله:
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
ترك الحكم بالكتاب والسنة:
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
الانتماء للكافرين والمشركين:
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
جحد آيات الله:
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ
تكذيب آيات الله:
بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ
العداوة مع الله:
مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ
الاستكبار عن عبادة الله:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
مفارقة جماعة المسلمين:
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ

فهذه أمثلة عن أنواع من الشرك لا يصح إسلام المرء إلا باجتنابها كلها ولا يكفي اجتناب بعضها دون بعض.

فإن قال قائل:
أليس الإيمان في القلب، فأنا مؤمن بالله وإن عملت بعض الذِنوب التي ذكرتها، فهذا بسبب ضعف الإيمان والكمال لله والله غفور رحيم.

فالجواب: 
ليس الإيمان بالله هو ما ذِهبت إليه، ولكن الإيمان بالله لا يتحقق إلا باجتناب الشرك. فالقول بأن الإيمان هو معرفة القلب أن الله موجود ليس قول المسلمين، ولكنه قول الجهمية الكافرين. فتعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الاعتقاد بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

والدليل على أنه لا يصح الإيمان بالله بمجرد معرفة الله بالقلب مع الكفر قولا أو عملا ليس دليلا واحدا. هاك بعض الأدلة:
1.    لا أحد يشك في كفر إبليس مع أنه يعرف ربه بقلبه:
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
2.    سمى الله عمل المكره كفرا مع أن قلبه مطمئن بالإيمان فدل على أن المقصود بالكفر ليس كفر القلب ولكن كفر الأعمال:
مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
3.    المشركون الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون ربهم بقلوبهم:
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
4.    الذين قالوا إنما كنا نخوض ونلعب أخبر الله أنهم كفروا مع أنهم كانوا يصلون ويزكون ويغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكروا معرفة ربهم بقلوبهم:
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
5.    بين الله عز وجل أن معرفة المشركين ربهم بقلوبهم لا تنفي عنهم وصف الشرك حيث قال:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ

فإذا تبين هذا وعلم أن الشرك يكون بالاعتقاد كما يكون بالقول والعمل، فاعلم أن الله لا يغفر لمن مات على الشرك:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ

وأما من تاب ولم يمت مشركا فيغفر الله له ويدخله الجنة:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ

ب‌.    أهمية الحكم على الناس
تتبين أهمية الحكم على الناس من خلال عدة أمور:
1.    الإيمان بالله لا يتحقق إلا بالكفر بالطاغوت والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله، ولا يكون الطاغوت معبودا حتى يكون له عابد. فمن كفر بالطاغوت عرف أن عابد الطاغوت كافر.
مَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
2.    عبادة الطاغوت تتوارث من جيل إلى جيل.
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا 
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ.
3.    الناس رجلان: مؤمن بالله كافر بالطاغوت، وكافر بالله مؤمن بالطاغوت.
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَا مِن ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهمُ الصَّلاةُ إِلاَّ قدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ.
4.    أمر الله عز وجل بموالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين.
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
5.    الولاء ينبني على أساس الحكم على الناس بالإسلام.
فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
6.    البراء ينبني على أساس الحكم على الناس بالكفر.
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ
7.    لا يصح الإسلام إلا بالبراءة من الكافرين وموافقة المسلمين في دينهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
عن جرير، قال: قلت: يا رسول الله بايعني واشترط علي، فأنت أعلم، فبسط يده فبايعه، فقال: لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتفارق الكافر. وفي بعض الطرق بلفظ: " وتبرأ من المشرك" "وتبرأ من الكافر" و"تفارق المشرك" وهي بمعنى واحد.
8.    تحقيق التكاليف الشرعية متوقف على الحكم على الناس، فقد أمر الله بالصلاة مع المسلمين وأمر بدعوة الكافرين إلى الإسلام وبقتالهم إذا أبوا.
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ.

ت‌.    طريقة الحكم على الناس
1.    أحكام الديار
تنقسم البلدان من منظور الإسلام إلى قسمين: دار إسلام & ودار كفر.
-    دار الإسلام هي البلاد التي تحكمها الشريعة التي مصدرها القرآن والسنة والإجماع. والدليل قوله تعالى: "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ". فقوله تعالى "قرية آمنت" معناه: بلاد أسلمت. والأصل في أهلها الإسلام والدليل: "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ". فإن الدار إذا كانت مسلمة فإن أهلها مسلمون.
-    دار الكفر هي كل بلاد سوى دار الإسلام، وهي التي تحكمها نظم وقوانين مخالفة للشريعة. والدليل قوله تعالى: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" وقوله: "وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ" وقوله: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ". فتبين أن البلد الذي لا يحكم بما أنزل الله هم قوم ظالمون مشركون ينتظر قريتهم العذاب حكاما ومحكومين.
2.    الحكم بالتبعية:
ينقسم الناس من حيث التبعية إلى قسمين: تبعية للإسلام وتبعية للكفر. 

التابع لجماعة المسلمين وإمامهم يحكم له بالإسلام والدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. رواه البخاري ومسلم. 

والتابع لكل ما سوى جماعة المسلمين يحكم عليه بالكفر، والدليل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم. قال الله عز وجل: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ

فتبين أن كل مقيم بدار الكفر لم يعلن تبعيته لجماعة المسلمين وإمامهم فإنه يحكم عليه بالكفر، فالناس رجلان مسلم وكافر، وإنما يحكم بالإسلام بأحد أمرين: 
-    الإقامة في دار الإسلام وموافقة أهلها
-    مبايعة جماعة المسلمين وإمامهم إذا كان الشخص مقيما بدار الكفر

فالحق واحد والباطل متعدد كما قال سبحانه " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياءهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " فالنور واحد والظلمات كثيرة، وكل ما سوى النور فهو ظلمة وكل ما سوى الحق فهو باطل قال الله عز وجل "فماذا بعد الحق إلا الضلال ". 

ألم تر أن الله جل ثناؤه يقول " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "، فبين أن الصراط المستقيم واحد وأن سبل الضلال متعددة. 

فإذا وضح هذا فاعلم أصلحك الله أن الله عز وجل لم يكلف بن آدم معرفة كل ضلال وكل باطل فإن هذا لا يدرك علمه إلا الله، ولكن الله عز وجل أمر ابن آدم أن يعرف الحق ويلتزم به ويوالي أهله. فلسنا مكلفين بمعرفة أهل كل كفر للبراءة منهم وموالاة من بقي من الناس، ولكنا مكلفون بمعرفة أهل الحق فقط وموالاتهم والبراءة مما سواهم.

فإن قلت: وكيف نحكم على الناس ونحن لا نعرف باطنهم ولم نشق على قلوبهم؟

فالجواب: إن أحكام الدنيا مبنية على الظاهر والظاهر ظاهران: ظاهر إسلام وظاهر كفر، ظاهر خير وظاهر شر. كما قال عُمَر بْنَ الخَطَّاب رضي الله عنه: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه ﷺ، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ، وقرَّبناه، وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ، ومَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَه حَسنَةٌ. رواه البخاري. 

فإذا لم يكلف المسلمون الشق على قلب من كان ظاهره الإسلام لمعرفة ما بداخله مع وجود المنافقين، فكيف نكلف الشق على قلب من كان ظاهره الكفر واحتمال إسلامه بغير بيعة غير وارد. وقد دل الدليل أن من كان مقيما بدار الإسلام موافقا لجماعة المسلمين في دينهم متبعا أمرهم حكم بإسلامه إلا أن يتبين العكس بدليل، ومن كان مقيما بدار كفر وليس من جماعة المسلمين فهو كافر إذ لم يأت الدليل على إسلامه.

والدليل على دخول الإسلام الذي بينه لنا الله عز وجل، وسنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بيعة الإسلام كما قال الله تعالى: "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم".

وعن عبادة بن الصامت، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس: تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه فبايعناه على ذلك. رواه البخاري ومسلم.

فدخول الإسلام يكون بمبايعة جماعة المسلمين وإمامهم على الإسلام كما هو واضح بالأدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. 

ث‌.    هل كل من قال لا إله إلا الله مسلم؟
فإن قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى. رواه البخاري ومسلم. فأين ذكر البيعة؟

فالجواب: أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق وليس متناقض ولا يجوز ضرب بعض كلامه ببعض، ولا يسوغ الإيمان ببعض والكفر ببعض. فقوله حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله معناه حتى يبايعوا على الإسلام كما دلت عليه سنته صلى الله عليه وسلم وقوله وعمله. وقد جاء ذلك واضحا في حديث جرير رضي الله عنه حيث قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم. رواه البخاري. 

ومعلوم أن شروط قبول الأعمال شرطان: الإخلاص والمتابعة. فكل عمل لا يقبل حتى يكون خالصا لوجه الله ويكون موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. وقال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وقال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. فكما لا تصح الصلاة لمن أداها على غير الوجه الذي شرعه الله لعباده وسنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذلك لا يصح إسلام كائن من كان إلا بالطريقة التي شرعها الله وسنها رسوله صلى الله عليه وسلم. كما لا تصح صلاة من صلى من غير وضوء أو من غير ركوع أو بسجدة واحدة بدل سجدتين، وكما لا يصح صيام من أمسك عن الطعام من وقت العشاء إلى وقت العصر أو أكل قبل الغروب بدقيقة، فكذلك لا يصح إسلام من أراد الإسلام إلا بمبايعة جماعة المسلمين وموافقة لها في دينها وبراءة من كل ما سواها.

فإن قلت إن رسول الله صلى الله عليه قال مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الْجَنَّةَ. رواه مسلم. وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة رضي الله عنه بعد أن قتل رجلا قال لا إله إلا الله وقال: يَا أُسامةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ؟

فالجواب أيضا: أن أدلة الكتاب والسنة لا تعارض بينها البتة، فإن الله عز ذكره يقول " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ". فتبين أن المقصود من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قال لا إله إلا الله ولم يشرك بالله. أما من يقول لا إله إلا الله وهو مقيم على الشرك فلا تقبل منه لا إله إلا الله. وكذلك من يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله وهم يقرون الشرك في بلادهم، شرك العبادة والدعاء وشرك التشريع وشرك الاستهزاء بالله وآياته ورسوله وشرك موالاة اليهود والنصارى والمشركين، فإنه لا يحكم بإسلامهم.

قال الشافعي رضي الله عنه: والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل. [قال]: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله ﷺ فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد ﷺ أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد ﷺ إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا.

ج‌.    استكمال الإقرار بالإيمان
فإن قلت: قد فهمنا ما قلت، وما قال الشافعي، لكنه لم يقل إن عليهم شهادة أن أمة محمد أهل الكتاب، وأنت تقول أنه يجب على الناس شهادة أن أمة محمد أهل كتاب. فما الحجة على ذلك؟

فالجواب: 
1.    إن الشافعي رحمه الله يتكلم عن قوم يسمون أنفسهم يهودا ونصارى ولا يسمون أنفسهم مسلمين، فاشترط عليهم أن يتبرؤوا من كل دين سوى الإسلام لأنهم إن فعلوا ذلك علم أنهم اتبعوا جماعة المسلمين وإمامهم وتبرؤوا من دين اليهودية والنصرانية. وأما نحن فإننا ندعو أقواما يسمون أنفسهم مسلمين وهم مع ذلك مفارقون لجماعة المسلمين وإمامهم، فإن قالوا برئنا مما سوى الإسلام لم يكونوا بذلك مستكملي الإقرار بالإيمان إذ أنهم لا يقصدون بالإسلام ما عليه جماعة المسلمين، بل يقصدون دينهم الذي هم عليه.
2.    بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس تارة على شروط بيعة النساء وتارة على الشهادتين وبعض الأركان والواجبات وتارة على الإسلام والجهاد فاختلفت ألفاظ مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد وتوكيد أمر.
3.    لا بد من أجل دخول الإسلام من موافقة جماعة المسلمين في دينهم وموالاتهم والبراءة مما سواهم وتحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا والقول بما قالوا. قال سبحانه: " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ".
4.    قال الله عز وجل: " لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " وقال " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ " وقال " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " وقال " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " وقال " وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ " وقال " فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " فتبين أن الله لا يقبل دينا سوى الإسلام وأن المسلمين هم الأمة القائمة المؤمنة من أهل الكتاب وأن أمة محمد من أهل الكتاب. 
5.    شهادة أمة محمد أهل كتاب حق ومن ردها فهو مكذب لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مفارق لجماعة المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أهل كتاب. قال الله سبحانه " بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ ".
6.    شهادة أن أمة محمد أهل كتاب وأن من لم يبايع جماعة المسلمين ليس بمسلم تعني البراءة من أهل كل دين سوى الإسلام فلا يوجد من يقولها غير جماعة المسلمين وإمامهم.
7.    لو أتى رجل بما يدل على أنه يوافق جماعة المسلمين في دينها ولا ينكر شهادتها ويبرأ مما سواها كمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأبايع جماعة المسلمين وإمامهم أبا ناصر أيده الله وأدين بدينهم وأبرأ مما سواهم قبلنا منه. 
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 

جماعة المسلمين وإمامهم

البريد الإلكتروني: Imamabounacer@gmail.com

الهاتف : 00212661707896

  • بيعة الإسلام لله
  • جماعة المسلمين وإمامهم
  • Telegram
  • الصفحة الرسمية على فيسبوك
  • وتساب
bottom of page