قصة إسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة إسلام
رواية: المستقوي بالله
ربيع الآخر 1447
قال: السلام عليكم
قلت: وعليكم السلام ورحمة الله
قال: كيف الحال؟
قلت: بخير الحمد لله وأنت كيف الحال؟
قال: بخير. هل يمكنني طرح سؤال؟
قلت: نعم أكيد.
قال: رجل لم يطلق زوجته ولكن المحكمة فرقت بينهما فما الحكم في ذلك؟
قلت: هذا أمر لا نفتي فيه ويرجع فيه إلى الفتوى الرسمية في البلد، ولكن لو سألتني عن حكم تطليق المرأة نفسها في الإسلام، فذلك غير جائز، ولكن يجوز للقاضي المسلم في المحكمة الشرعية الحكم لصالحها بالخلع ويلزمها أداء الفدية ولا حق لها في المتعة، وهذا واحد من الفروق الموجودة بين شريعة الإسلام والقوانين الموجودة اليوم.
قال: نعم أعرف بأن القوانين المطبقة تخالف تعاليم الدين في عدة شؤون، ولكنني أكتفي بإصلاح نفسي وإصلاح أهل بيتي.
قلت: ولكنك فرد من هذا الشعب ولديك نصيب من المسؤولية عما يجري بما في ذلك الحكم بغير ما أنزل الله.
قال: أنا أؤدي الفرائض وأحب الدين وأهله منذ الصغر وإن كنت لا أظهر كل ما أؤمن به.
قلت: يجب أن تدخل الإسلام، وتعلم بأن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح.
قال: أنا مسلم.
قلت: طيب، أخبرني ما هو الإسلام؟
قال: الإسلام هو الشهادتين: لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، وإقام الصلاة وإعطاء الزكاة وصوم رمضان والحج.
قلت: حسن، فأخبرني ما أول ركن في الإسلام؟
قال: هو الشهادتين.
قلت: وما معناهما؟
قال: يعني أن توحد الله.
قلت: فما ضد التوحيد؟
قال: الإشراك بالله.
قلت: وما هو الشرك؟
قال: أن تتخذ إلها مع الله.
قلت: أعطني مثال على ذلك.
قال: أن تعبد الأصنام أو تعبد عيسى أو تكون يهودي.
قلت: هل شرب الخمر والزنا والسرقة شرك؟
قال: بل معصية.
قلت: كيف حكمت على الأول أنه شرك والثاني أنه معصية؟
قال: من القرآن والسنة.
قلت: هل تحفظ الأدلة التي تفيد بأن عباد الأصنام والنصارى مشركون؟
قال: لا.
قلت: علمنا بأن عباد الأصنام مشركون لقوله تعالى: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. وهذه الآية المعني بها هم عبدة الأصنام فقد كانوا يجعلون تلك الأصنام وسطاء في العبادة يريدون التقرب بدعاء الأصنام إلى الله. ومنهم من يصرف لها طلب الحاجات ويلجأ إليها لتفريج الكربات، وهؤلاء أيضا مشركون، لقوله تعالى: وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ.
قال: نعم الأمر في هذا كما قلت.
قلت: وهذا يبين كفر النصارى أيضا، لأنهم يدعون عيسى ابن مريم من دون الله، والدعاء هو عبادة، إضافة إلى آيات أخرى بينت كفرهم، منها قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. وقوله: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ. ثالث ثلاثة يعني قولهم: الأب والإبن والروح القدس. فإننا نقول بأن النصارى كفار اعتمادا على هاته الأدلة في القرآن.
قال: نعم.
قلت: والدليل على كفر اليهود موجود كذلك في القرآن، يقول تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. وفبي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ، (ولا) يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ. رواه مسلم وأحمد والطبري.
قلت: إذا توضح هذا وعلمت بأن الكفر والشرك لا فرق بينهما...
قال: يوجد فرق بين الشرك والكفر، فالكفر هو الإنكار والجحود كالملحد مثلا، والشرك هو صرف العبادة لشريك مع الله.
قلت: هذا في اللغة كما قلت، ولكن في الاعتبار الشرعي، فإن كل كافر مشرك وكل مشرك كافر، والملحد الذي تكلمت عنه فإنه يطيع الشيطان ويشركه في العبادة مع الله، ولك ان تسأل وتبحث في المسألة عندما يتوفر عندك الوقت. وأما الآن فحسبنا أننا متفقون بأن المشرك والكافر كلاهما خارجون عن ملة الإسلام، وأنهم خالدون مخلدون في النار، وهذا هو المقصود.
قال: نعم بلا شك.
قلت: علمنا بأن الشرك الذي هو ضد التوحيد يتم معرفته بالأدلة من القرآن والسنة، فهل دل القرآن والسنة على وجود أنواع أخرى من الشرك والكفر غير الذي ذكرت؟
قال: لا أدري، أخبرنا بما عندك.
قلت: بلى قد دل القرآن والسنة على وجود أنواع أخرى من الشرك فهل تريد معرفتها.
قال: نعم.
قلت: من أنواع الشرك التي جاء دليلها في القرآن التولي عن طاعة الله ورسوله، والدليل: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ. ومنها الاستهزاء بالدين، والدليل: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. ومنها تعلم السحر: اتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ.
قال: نعم.
قلت: هذا ليس كل شيء، فقد دل القرآن على المزيد من الأعمال والأقوال التي تجعل فاعلها مشركا خارجا عن ملة الإسلام، ومنها الحكم بغير ما أنزل الله، قال تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ. ووضع التشريعات التي ما أنزل الله بها من سلطان: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ. ومنها الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ.
قال: نعم كلامك معقول.
قلت: وكذلك بين القرآن والسنة كفر المفرق للدين الخارج عن جماعة المسلمين وإمامهم، قال تعالى: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. وقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا. وقال: وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. فأمر الله تعالى بلزوم الجماعة المعتصمة بحبل الله وبين أن الفرق خارجة عن الإسلام وهو صراطه المستقيم. قلت: والدليل على كفر الخارج عن جماعة المسلمين من السنة النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. رواه البخاري ومسلم. وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَال: أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. رواه أبو داود بسند صحيح والترمذي بمثله. والدليل على أن جماعة المسلمين وحدها في الجنة وكل الفرق في النار قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قال: أنا معك في هذا كله، فما الذي يجب علي فعله؟
قلت: هل تعلم كيف دخل الصحابة إلى الإسلام؟
قال: بشهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله.
قلت: نعم بالبيعة على الشهادتين.
قال: كيف ذلك؟ الشهادتان شيء والبيعة شيء ثاني.
قلت: هل البيعات في الإسلام بيعة واحدة أو عدة بيعات؟
قال: بيعة واحدة على السمع والطاعة.
قلت: هذا غلط. البيعات في الإسلام ليست بيعة واحدة، بل توجد بيعة السمع والطاعة، وبيعة النصرة التي كانت في العقبة، وبيعة الهجرة، وبيعة عدم الفرار من المعركة وهي بيعة الرضوان، وأول البيعات وأهمها بيعة الإسلام.
قال: لم أفهم جيدا معنى بيعة الإسلام.
قلت: بيعة الإسلام هي الطريقة الوحيدة الثابتة بالكتاب والسنة لدخول الإسلام، وكل الصحابة دخلوا الإسلام ببيعة الإسلام، ولا توجد طريقة غيرها لدخول الإسلام. وسأعطيك بعض الأمثلة على ذلك: قال جريرٌ رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم. رواه البخاري. وعن عبادة بن الصامت، وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك. رواه البخاري ومسلم. فقد كان هذا نص بيعة العقبة الأولى، وهي بيعة الإسلام وبيعة النساء التي قال عنها تبارك وتعالى: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم.
قال: لم أكن على علم بهذا فجزاك الله خيرا على التوضيح.
قلت: لقد كانت جماعة المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هي الوحيدة التي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتفرق الأمة من بعده، والفرق من أمته كلها في النار سوى جماعة المسلمين وإمامهم. ومن المعلوم أن من كان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو مقر بالشهادتين، فصار عندنا واقع جديد مختلف عما كان عليه الحال في زمن النبوة، يتطلب اجتهاد في تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع.
قال: كيف؟
قلت: أرأيت لو أننا حكمنا على الناس بالإسلام في هذا الزمان بمجرد نطق الشهادتين، أليس يلزم أن نحكم بالإسلام على من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في النار.
قال: بلى.
قلت: أليست الشهادتان تعني التوحيد؟
قال: نعم.
قلت: أليس من أتى بالتوحيد دخل الجنة؟
قال: نعم.
قلت: فهذا يعني بأن الفرق التي النار لم تحقق التوحيد وأنها فرق مشركة ولم تعمل بما تقتضيه الشهادتان.
قال: نعم.
قلت: لقد اتفقت معي بأن الخارج عن جماعة المسلمين ليس بمسلم، بل هو مشرك وكافر، لأن كل خارج عن الجماعة فهو من أهل النار.
قال: نعم.
قلت: هذه واحدة. قلت: فإن كانوا كفارا، فمن أي صنف من الكفار هم؟
قال: لا أدري.
قلت: الكفار منهم أهل كتاب وإيمان ببعث كاليهود والنصارى ومنهم مشركون ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث كعباد الأصنام، ومنهم الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلام والمرتد الذي بايع جماعة المسلمين ونكث بيعة الإسلام والمنافق الذي بايع الجماعة في الظاهر، وأسر الكفر والخلاف والفرقة.
قال: نعم أكمل جزاك الله خيرا.
قلت: فأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أهل كتاب لأن الله تعالى نزل على هذه الأمة كتابه القرآن كما نزل التوراة على اليهود والإنجيل على النصارى وهم ينتسبون للإسلام وإلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنون بالبعث والجنة والنار.
قال: نعم.
قلت: والشعوب في هذا الزمان كفار أصليون لأنهم لم يبايعوا جماعة المسلمين ولم يدخلوا الإسلام، فلا يمكن أن يكونوا منافقين أو مرتدين. وإن كان أجدادهم قد ارتدوا منذ قرون لأن القول بتوارث الردة يلزم منه القول بردة جميع الناس لأن كل الناس هم بنو آدم، وهذا قول فاسد بلا شك، وكذلك لا يختلف الناس في كون اليهود والنصارى كفار أصليون، مع أن أجدادهم المتبعين لموسى وعيسى عليهما السلام كانوا مسلمين.
قال: أنا متفق معك في كل شيء.
فبسطت يدي وقلت: فدخول الإسلام يكون بمبايعتنا نحن جماعة المسلمين – وأنا إمامهم – بترديد الشهادة كالآتي، تقول تاب الله عنك:
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أن أمة محمد أهل كتاب وأشهد أن من لم يبايع جماعة المسلمين فليس بمسلم
بسط يده وبدأ بترديد نص البيعة، فقل: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قلت، نعم فقل: أشهد أن أمة محمد أهل كتاب.
قال: أشهد أن أمة محمد أهل كتاب.
قلت نعم فقل: أشهد أن من لم يبايع جماعة المسلمين فليس بمسلم.
قال: أشهد أن من لم يبايع جماعة المسلمين فليس بمسلم.
قلت: لقد قبلت بيعتك تقبل الله منك وغفر لك. الإسلام يجب ما قبله، وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
فجعلك الله أيها النصير من الموفين بالعهد وأعيذك بالله أن تكون من الناكثين.
قال: أريد أن يبقى هذا الأمر سرا بيني وبينك.
قلت: اطمئن، فلا يلزمك إعلان إسلامك الآن ويسعك كتم الإيمان، وسنبقى على تواصل بالطريقة التي ترى أنها لن توقعك في الحرج. ولكن من المهم استحضار أهمية طلب العلم بالموازاة مع دعوة العشيرة الأقربين بدءا بمن هو تابع لك في الرأي والمشورة.
قال: نعم.
قلت: وأول شيء نبدأ به إن شاء الله هو تبادل الأرقام، والاشتراك في قناتي جماعة المسلمين: "بيعة الإسلام لله" و"جماعة المسلمين وإمامهم". وسأبعث لك إن شاء الله رسائل الإرشاد مع التأكيد على الرسالة الأولى وعنوانها "معرفة الأولى" ففيها التنبيه على ما يتعلق بالطهارة والصلاة وغيرها من الأحكام.
قال: أنا دارس لهذه المسائل.
قلت: نعم، لكن هناك أشياء تستوجب الانتباه من قبيل وجوب إعادة صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء في اليوم الأول من دخول الإسلام، وكذلك التنبيه على الوقت الصحيح لأداء صلاة الصبح الذي يختلف عن صلاة أهل الكتاب، التي تكون قبل دخول الفجر الصادق. ونحن بعد التحري في منطقتنا وجدنا أن الاحتياط هو أداء صلاة الصبح بعد تبقي 45 دقيقة على وقت الشروق حسب التقويم الموافق للملاحظة بالعين المجردة.
قال: جزاك الله ألف خير على هذا التنبيه، وسأعمل بهاته النصائح إن شاء الله وأنا معكم، وأنوي الزواج بمرأة مسلمة من جماعة المسلمين.
قلت: لا شك أن ذات الدين لا بد أن تكون موحدة من جماعة المسلمين، ولكن أهم وأعظم خطوة قمت بها الآن أيها النصير هو دخولك الإسلام، مع أن طريق الدعوة وطلب العلم لا زالت طويلة، وندعو لكل المسلمين أهل الجماعة حفظهم الله بالخير والرزق الكريم والذرية الصالحة، الذين دخلوا الإسلام بنية خالصة لله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ. رواه البخاري ومسلم.
ولا شك بأن المرأة المسلمة هي أيضا بحاجة إلى الزوج الموحد الذي يصون كرامتها، ويعينها في التعلم والتفقه في الدين يبعد الله به عنها الفتن ووساوس الشيطان.
قال: بارك الله فيك.
قلت: وفيك بارك الله ورزقك الثبات والهداية والبصيرة في الدين والزيادة من كل خير والنجاة من كل شر. وصلى الله وبارك على نبينا محمد.
قال: حفظك الله يا إمام ورعاك وجزاك عنا كل خير.
قلت: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والسلام عليك أيها النصير ورحمة الله وبركاته، وإلى موعد قريب إن شاء الله.
قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجزء الثاني
قال لنا قائل ممن قرأ الرسالة: ها أنت ذا دعوت هذا الرجل إلى الإسلام ولم تبين له معنى الطاغوت ووجوب الكفر بالطاغوت.
قلت: بيعته لنا نحن جماعة المسلمين الموحدة لله الكافرة بالطاغوت هو تحقيق للكفر بالطاغوت، وبيعات الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام لم يأت فيها ذكر الطاغوت نصا، ولكن ضمنيا من كفر بما عبد من دون الله فقد كفر بالطاغوت، ومن عاهد على اجتناب الشرك فقد كفر بالطاغوت، ومن لزم جماعة المسلمين وإمامهم فقد كفر بالطاغوت وإن لم يعرف معناه.
قال: فأين الولاء والبراء؟
قلت: وهل الولاء والبراء إلا لزوم جماعة المسلمين ومبايعة إمامهم، فمن بايع على الإسلام وشهد على المفارق للجماعة بالكفر فقد والى المؤمنين ووافقهم في الدين وبرئ من الكافرين وخالفهم في الدين فأي ولاء وبراء يبتغى بعد هذا؟ وهل حقق الصحابة رضوان الله عليه الولاء والبراء إلا بهذا؟
قال: فهمت قولك، ولكن بقي عندي سؤال، ما يدريك أن المبايع لكم على الإسلام لن يتحاكم إلى القوانين الوضعية وإلى الطاغوت الحاكم بغير ما أنزل الله؟
قلت: الحكم بغير ما أنزل الله إما أن يكون كفرا أكبر مخرجا من الملة، وإما أن يكون كفرا أصغر غير مخرج من الملة، ومن بايع جماعة المسلمين فقد أقر بحكمها والتزم به، وهي تحكم بما أنزل الله. ومن فارق الجماعة فقد جحد حكم الله لأن حكم الله هو لزوم الجماعة والقول بما قالت وتحليل ما أحلت وتحريم ما حرمت وهي لا تحل ولا تحرم إلا اتباعا للكتاب والسنة وإجماع السلف رحمة الله عليهم ولا تخرج عن مجموع أقوالهم فيما اختلفوا فيه. مع الاجتهاد من الكتاب والسنة وفق أصولهم في النوازل التي لم تكن في زمانهم.
قلت: ومن المؤكد بأن المسلم الذي دخل الإسلام حديثا لا يلم بجميع أحكام الإسلام، بل هذا لا يكون لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يكفي المسلم أن يكون حريصا على طلب العلم وفق مناهج الجماعة، مقرا بالتوحيد والفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، غير جاحد للأدلة القطعية بعد بلوغها إليه، لأن التكليف بالشرائع مرهون ببلوغ الخبر الرسالي إلى المكلف، والناس على الدوام مختلفون في مقدار الأخبار والعلم الشرعي البالغ إلى علمهم والقاطع لعذرهم، فلهذا يكون الداخل إلى الإسلام معذورا بجهله الشرائع بشرط الالتزام والحرص على طلب العلم ونفي الجهل.
قال: فما هو المقدار الواجب تعلمه قبل دخول الإسلام؟
قلت: الناس مختلفون في معارفهم وفهمهم والحد الفاصل بين الكفر والشرك هو بيعة الإسلام، ونحن مكلفون بالظاهر، فمن بايع وأسلم علمنا انه حقق المعرفة التي توجب له الإسلام. ونعلم أن من جهل التوحيد لن يبايع إمام المسلمين لأن الأنفس مجبولة على اختيار ما هو أحب لها وأخف عليها، والبيعة لها ثقل في دلالتها والتكليف المرتبط بها وهذا يثقل جدا على النفوس، وإنما يقبل هذا الأمر من علم خطورة الشرك ومفارقة جماعة المسلمين. كذلك من جهل معنى الشرك، لا يجد ما يدعوه إلى مبايعة جماعة مستضعفة ويجعل نفسه عرضة للاضطهاد والانتقادات. وكذلك من جهل كفر الشعوب فلن يقبل البيعة على أن يشهد بكفرهم.
والناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الأنبياء من قبله اختلفت الأسباب الداعية لهم لاتباع الرسل ولهذا البيان موضع نبسطه فيه غير هذا إن شاء الله. والمقصود، وبالله تعالى التوفيق أن التوحيد لم يتحقق يوما بتكديس المعارف ولكن بلزوم جماعة المسلمين الموحدة لله وطاعة إمامهم.
فكم من الناس يعلمون أن معنى لا إله إلا الله هو لا معبود بحق إلا الله وأنها نفي وإثبات وأن لها شروطا ويعلمون أن معنى العبادة هو تمام الخضوع والطاعة مع التذلل، ويعلمون معنى الطاغوت ويدرسون الولاء والبراء ويحذرون من الحكم بغير ما أنزل الله، وهم مع ذلك لم يدخلوا الإسلام ولم يكفروا بالطاغوت ولم يعبدوا الله كما أمر ولم يوالوا المؤمنين ولم يبرؤوا من المشركين ولم يحكموا بما أنزل الله.
قال: كلامك صحيح ومفهوم، وسؤالي الأخير إليك، ما يدريك بأن الشخص الذي بايعك سيلتزم بشروط البيعة وماذا لو نكثها؟
قلت: هذا سؤال جيد وهام، أولا نحن قدوتنا في كل شيء هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل البيعة ممن بايعه على الشروط التي يشترطها عليه وأهمها وأعظمها شهادة الا إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولم يكن صلى الله عليه وسلم رقيبا على العباد فيما لا يعلمه إلا الله تعالى، ولم يكن يفتش في بيوت الناس أو يتجسس أخبارهم، بل العهدة في ذلك على المبايع والرقيب على العباد في كل مكان وزمان وكل حال هو الله سبحانه وتعالى، ونحن شهداء على الناس فيما بدا لنا فمن أظهر خيرا واليناه وقربناه ومن أظهر شركا أبعدناه وأكفرناه.
وأما سؤالك عن حكم الخارج من الإسلام وهو في دار الكفر، فإن جماعة المسلمين تبرأ منه وتلعنه ولكنها لا تتعرض له بأذى أو عدوان.
هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيئين والمرسلين وعلى آله الأخيار الطيبين ورضي الله عن الصحابة أجمين. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ.
صدق الله مولانا العظيم.


