top of page

الولاء والبراء

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وبارك على المرسل رحمة للعالمين وبعد،

فإن لكل قوم ولاءهم فالمسلم ولاءه خالص لله تعالى - أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ - وولاء المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين تابع لولاءه لله تعالى - إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا - وصرف الولاء لغير الله تعالى هو خروج من الإيمان - أَفَحَسِبَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَن یَتَّخِذُوا۟ عِبَادِی مِن دُونِیۤ أَوۡلِیَاۤءَۚ إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ نُزُلࣰا - الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياءهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات - وقد جعل سبحانه موالاة الكافرين من دون المؤمنين كذلك مخرجا من الإيمان.

القول في تأويل قوله: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾
قال أبو جعفر: وهذا نهيٌ من الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفارَ أعوانًا وأنصارًا وظهورًا، ولذلك كسر"يتخذِ"، لأنه في موضع جزمٌ بالنهي، ولكنه كسر"الذال" منه، للساكن الذي لقيه وهي ساكنة.
* * *
ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك "فليس من الله في شيء"، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر "إلا أن تتقوا منهم تقاة"، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل، كما: حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله:"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين"، قال: نهى الله سبحانه المؤمنين أن يُلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجةً من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفارُ عليهم ظاهرين، فيظهرون لهم اللُّطف، ويخالفونهم في الدين. وذلك قوله:"إلا أن تتقوا منهم تقاةً".#

وهذا ما يظهر لنا أهمية إيلاء العناية القصوى بموضوع الولاء لارتباطه الوثيق بالتوحيد ، فما هو الولاء ؟ 

الولاء يختلف تعريفه بحسب المصروف اليه: فالولاء لله تعالى يكون بتفويض الأمر كله لله والإيمان به والإخلاص له ونصرة دينه وطاعته واتباع أمره ونهيه دون سواه.

والولاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم معناه الوفاء والمحبة واتباع أمره ونهيه ونصرة سنته صلى الله عليه وسلم 

والولاء لإمام المسلمين يكون بالبيعة له على الإسلام والسمع والطاعة والوفاء ومحبة الخير له ونصرته وترك غشه أو منازعته

والولاء للمؤمنين معناه الانتماء والصحبة والمحبة والخلة والقرب والمناصحة والتحالف والتظاهر والمناصرة. 

وهذا ما يبينه الحديث الذي رواه الإمام مسلم : عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ ". قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : " لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ". 

وعَنْ قَيْسٍ ، سَمِعْتُ جَرِيرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري

وإنما قلنا بأن الولاء معناه تفويض الأمر كله لله لما ذكره ابن جرير في معنى الولي :

"الولي" معناه"فعيل" من قول القائل:"وَلِيت أمر فلان"، إذا صرت قيِّما به،"فأنا أليه، فهو وليه" وقَيِّمُه. ومن ذلك قيل:"فلان ولي عهد المسلمين"، يُعْنَى به: القائم بما عهد إليه من أمر المسلمين.
* * *
وأما"النصير" فإنه"فعيل" من قولك:"نصرتك أنصرك، فأنا ناصرك ونصيرك"، وهو المؤيد والمقوي.
* * *
وأما معنى قوله: ﴿من دون الله﴾ ، فإنه سوى الله، وبعد الله، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
يا نفس مالك دون الله من واقي ... وما على حدثان الدهر من باقي
يريد: مالك سوى الله وبعد الله من يقيك المكاره.
* * *
فمعنى الكلام إذا: وليس لكم، أيها المؤمنون، بعد الله من قيم بأمركم، ولا نصير فيؤيدكم ويقويكم، فيعينكم على أعدائكم.

وبهذا تبين أن معنى الولاء أعم من النصرة وخطأ من فسر الولاء بالنصرة دون غيرها من معاني الولاء.

وقلنا أن الولاء لله يكون باتباع كتابه وامره ونهيه لقوله تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء. 

وقلنا أن الولاء لله يتحقق بالإيمان به والإخلاص له لقوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا.

وقلنا أن الولاء لله يكون بنصرة دينه لقوله تعالى : ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَیۡدَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِیفًا

يقول تعالى ذكره: "فقاتلوا" أيها المؤمنون، ="أولياء الشيطان"، يعني بذلك: الذين يتولَّونه ويطيعون أمره، في خلاف طاعة الله، والتكذيب به، وينصرونه.

وحقيقة الأمر أن صلة الولاء مع الله تعالى ذات شقين: 
- تولي من الله للمؤمنين وقيام بأمر عباده وإصلاحهم وتوفيقهم ونصرتهم. 
- وتولي من المؤمنين لربهم بالبيعة له والإخلاص والطاعة والنصرة والوفاء بالعهد. 

وكذلك الولاء للمؤمنين فقد دلنا على معناه أدلة الكتاب والسنة وشرح علماء الجماعة رحمة الله عليهم: 

عن ابن جرير رحمة الله عليه : 

"أولياء"، يقول: لا تتخذوهم، أيها المؤمنون، أنصارًا أو إخوانًا أو حُلفاء، فإنهم لا يألونكم خَبَالا وإن أظهروا لكم مودّة وصداقة.

"ما اتخذوهم أولياء"، يقول: ما اتخذوهم أصحابًا وأنصارًا من دون المؤمنين.

عن ابن عباس قوله: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله. 

عن ابن عباس في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، أنها في الذبائح. من دخل في دين قوم فهو منهم.

فتبين أن الولاء يكون بالصحبة والأخوة والتحالف والنصرة والإنتماء.

وقلنا أن المحبة من مظاهر الولاء لقوله تعالى : یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّی وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ.

وقلنا أن القرب والخلة أيضا من معانيه لقوله تعالى:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَاهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِی صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ [آل عمران ١١٨]
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم ="لا تتخذوا بطانة من دونكم"، يقول: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم ="من دونكم" يقول: من دون أهل دينكم وملَّتكم، يعني من غير المؤمنين.
* * *
وإنما جعل"البطانة" مثلا لخليل الرجل، فشبهه بما ولي بطنه من ثيابه، لحلوله منه -في اطِّلاعه على أسراره وما يطويه عن أباعده وكثير من أقاربه- محلَّ ما وَلِيَ جَسده من ثيابه.
* * *
فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغش والخيانة، وبغيهم إياهم الغوائل، فحذرهم بذلك منهم ومن مخالَّتهم، فقال تعالى ذكره: "لا يألونكم خبالا"، يعني لا يستطيعونكم شرًّا، من"ألوت آلُو ألوًا"، يقال: "ما ألا فلان كذا"، أي: ما استطاع، كما قال الشاعر:
جَهْرَاءُ لا تَأْلُو، إذَا هِيَ أَظْهَرَتْ، ... بَصَرًا، وَلا مِنْ عَيْلَةٍ تُغْنِيني
يعني: لا تستطيع عند الظهر إبصارًا.
* * *
وإنما يعني جل ذكره بقوله:"لا يألونكم خبالا"، البطانةَ التي نهى المؤمنين عن اتخاذها من دونهم، فقال: إن هذه البطانة لا تترككم طاقتها خبالا أي لا تدع جهدها فيما أورثكم الخبال.
* * *
وأصل"الخبْل" و"الخبال"، الفساد، ثم يستعمل في معان كثيرة، يدل على ذلك الخبرُ عن النبي ﷺ:
-"من أصيب بخبْل = أو جرَاح".
* * *
وأما قوله:"ودوا ما عنِتُّم"، فإنه يعني: ودوا عنتكم، يقول: يتمنون لكم العنَت والشر في دينكم وما يسوءكم ولا يسرُّكم.

فإذا تبين هذا فلا شك بأن محبة رسول الله صلى الله عليه واتباعه تابعان لمحبة الله تعالى - قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. 

ولا شك أن البيعة على الإسلام وعلى السمع والطاعة من موجبات ولاية الله لعباده وهي أعظم وأهم مظاهر الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين. 

قال تعالى : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله. 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ ". رواه البخاري 

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ الْإِمَامَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى الْإِمَامَ فَقَدْ عَصَانِي ". رواه ابن ماجه ورجاله ثقات.

وبعد أن بينا معنى الولاء ووجوب اخلاصه لله تعالى فاعلم يرحمك الله ان الولاء الخالص لا يتم إلا بالبراءة من كل ما سوى الله الا من كانت موالاته تابعة للولاء الخالص لله. 

وبيان ذلك من وجهين :

١. الأول: نهي الله تعالى المؤمنين عن موالاة الطواغيت والكافرين والشياطين.
2. الثاني: أمره تعالى المؤمنين بالبراءة من الطواغيت والكافرين والشياطين.

فالدليل على الأول :

قال أبو جعفر: يقول: تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله ﷺ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي﴾ من المشركين ﴿وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ يعنى أنصارا.

وقوله أولياء يعني أنصارا إما أن يكون من باب العام الذي يراد به الخاص، أو من باب ذكر المفسر لبعض افراد العام دون جميع معانيه. وقد سبق بيان أن الولاية أعم من النصرة لدلالة الآيات العاطفة للولي على النصير على افتراق المعنيين - القول في تأويل قوله تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. ما لك من الله من ولي = يعني بذلك: ليس لك يا محمد من ولي يلي أمرك، وقيم يقوم به = ولا نصير، ينصرك من الله، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك، إن أحل بك ذلك ربك. وقد بينا معنى"الولي" و"النصير" فيما مضى قبل.

فنفت هاته الآية ونظائرها تطابق معنيي الولاية والنصرة بينما دلت آيات أخر على أن النصرة من معاني الولاء. فدل ذلك على أن العام هو الولاء والخاص هو النصرة. 

ومن الآيات الدالة على القسم الأول :

القول في تأويل قوله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"الله ولي الذين آمنوا"، نصيرهم وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه "يخرجهم من الظلمات" يعني بذلك: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وإنما عنى ب"الظلمات" في هذا الموضع، الكفر. وإنما جعل"الظلمات" للكفر مثلا لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان والعلم بصحته وصحة أسبابه. فأخبر تعالى ذكره عباده أنه ولي المؤمنين، ومبصرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه، وهاديهم، فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك، بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر [عن] أبصار القلوب.
ثم أخبر تعالى ذكره عن أهل الكفر به، فقال:"والذين كفروا"، يعني الجاحدين وحدانيته="أولياؤهم"، يعني نصراؤهم وظهراؤهم الذين يتولونهم="الطاغوت"، يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله="يخرجونهم من النور إلى الظلمات"، يعني ب"النور" الإيمان، على نحو ما بينا="إلى الظلمات"، ويعني ب"الظلمات" ظلمات الكفر وشكوكه، الحائلة دون أبصار القلوب ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلته وسبله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهَىَ المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرَهم، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزُّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان.

وأما قوله:"بعضهم أولياء بعض"، فإنه عنى بذلك: أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين، ويد واحدة على جميعهم= وأن النصارى كذلك، بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم وملتهم= معرِّفًا بذلك عباده المؤمنين: أنّ من كان لهم أو لبعضهم وليًّا، فإنما هو وليهُّم على من خالف ملتهم ودينهم من المؤمنين، كما اليهود والنصارى لهم حَرْب. فقال تعالى ذكره للمؤمنين: فكونوا أنتم أيضًا بعضكم أولياء بعض، ولليهوديّ والنصراني حربًا كما هم لكم حرب، وبعضهم لبعض أولياء، لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحربَ، ومنهم البراءة، وأبان قطع وَلايتهم.

القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولً أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ. وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه.

القول في تأويل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾
قال أبو جعفر: وهذا نهي من الله عبادَه المؤمنين أن يتخلَّقوا بأخلاق المنافقين، الذين يتخذون الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين، فيكونوا مثلهم في ركوب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه.
يقول لهم جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا توالوا الكفَّار فتؤازروهم من دون أهل ملَّتكم ودينكم من المؤمنين، فتكونوا كمن أوجبت له النار من المنافقين. ثم قال جل ثناؤه: متوعدًا من اتخذ منهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، إن هو لم يرتدع عن موالاته، وينزجر عن مُخَالَّته = أن يلحقه بأهل ولايتهم من المنافقين الذين أمر نبيه ﷺ بتبشيرهم بأن لهم عذابًا أليمًا.

قال أبو جعفر: أما قوله جل ثناؤه:"الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين"، فمن صفة المنافقين. يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني "أولياء"= يعني: أنصارًا وأخِلاء ="من دون المؤمنين"، يعني: من غير المؤمنين ="أيبتغون عندهم العزة"، يقول: أيطلبون عندهم المنعة والقوة، باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟ ="فإن العزة لله جميعًا"، يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاءَ العزة عندهم، هم الأذلاء الأقِلاء، فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العزَّة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يُعِزّ من يشاء ويذل من يشاء، فيعزُّهم ويمنعهم؟

" وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا " يقول: ولا تتخذوا منهم خليلا يواليكم على أموركم، ولا ناصرًا ينصركم على أعدائكم، فإنهم كفار لا يألونكم خبالا وَدُّوا ما عنتُّم.

القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.
وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى، فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.

﴿إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون﴾ ، يقول: جعلنا الشياطين نُصراء الكفار الذين لا يوحِّدون الله ولا يصدقون رسله.

ومن الآيات الدالة على القسم الثاني :

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره:"وقَال الذين اتَّبعوا"، وقال أتباع الرجال -الذين كانوا اتخذوهم أندادًا من دون الله يطيعونهم في معصية الله، ويَعصُون ربَّهم في طاعتهم، إذ يرون عَذابَ الله في الآخرة-:"لو أن لنا كرة".

وقوله:"فنتبرأ منهم" منصوبٌ، لأنه جواب للتمني ب"الفاء". لأن القوم تمنوا رجعةً إلى الدنيا ليتبرأوا من الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله، كما تبرأ منهم رؤساؤهم الذين كانوا في الدنيا، المتبوعون فيها على الكفر بالله، إذْ عاينوا عَظيم النازل بهم من عذاب الله، فقالوا: يا ليت لنا كرّة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، و ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٢٧].

وقوله: ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
يقول: حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله، وعبدوا الطاغوت: أيها القوم إنا برآء منكم، ومن الذين تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد.

وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ اهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات = "فلما تبين له أنه عدوٌّ لله تبرّأ منه".

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه ﷺ أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه، وكانوا فرقًا فيه وأحزابًا شيعًا، وأنه ليس منهم. ولا هم منه، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الإسلام، دين إبراهيم الحنيفية، كما قال له ربه وأمره أن يقول: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام: ١٦١] .
فكان من فارق دينه الذي بعث به ﷺ من مشرك ووثنيّ يهودي ونصرانيّ ومتحنِّف، مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضلّ به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة إبراهيم المسلم، فهو بريء من محمد ﷺ، ومحمد منه بريء، وهو داخل في عموم قوله: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء﴾ .

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قوله: ﴿لست منهم في شيء﴾ ، إعلام من الله نبيَّه محمدًا ﷺ أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه بريء، ومن الأحزاب من مشركي قومه، ومن اليهود والنصارى.

القول في تأويل قوله تعالى: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، لأنه كان لدينك مخالفًا، وبي كافرًا = وكان ابنه لأن الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدًا ﷺ أنه ابنه فقال: ﴿ونادى نوح ابنه﴾ ، وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر. وليس في قوله: ﴿إنه ليس من أهلك﴾ ، دلالةٌ على أنه ليس بابنه، إذ كان قوله: ﴿ليس من أهلك﴾ ، محتملا من المعنى ما ذكرنا، ومحتملا أنه ليس من أهل دينك، ثم يحذف "الدين" فيقال: ﴿إنه ليس من أهلك﴾ ، كما قيل: ﴿واسأل القرية التي كنا فيها﴾ ، [سورة يوسف: ٨٢] .

القول في تأويل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسرارَكم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المُكْثَ بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام = ﴿إن استحبُّوا الكفر على الإيمان﴾ ، يقول: إن اختاروا الكفر بالله، على التصديق به والإقرار بتوحيده = ﴿ومن يتولهم منكم﴾ ، يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقَام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام = ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ ، يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم، هم الذين خالفوا أمرَ الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها، وعصوا الله في أمره.

يعني جلّ ثناؤه بقوله: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ لا تجد يا محمد قومًا يصدّقون الله، ويقرّون باليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله وشاقَّهما وخالف أمر الله ونهيه ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ يقول: ولو كان الذين حادّوا الله ورسوله آباءهم ﴿أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ وإنما أخبر الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام بهذه الآية ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ ليسوا من أهل الإيمان بالله ولا باليوم الآخر، فلذلك تولَّوُا الذين تولَّوْهم من اليهود.

القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
قال أبو جعفر: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد ﷺ: ﴿قل﴾ يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم = وكانت ﴿أموال اقترفتموها﴾ ، يقول: اكتسبتموها = ﴿وتجارة تخشون كسادها﴾ ، بفراقكم بلدَكم = ﴿ومساكن ترضونها﴾ ، فسكنتموها = ﴿أحب إليكم﴾ ، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك = ومن جهاد في سبيله، يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه = ﴿فتربصوا﴾ ، يقول: فتنظّروا = ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ ، حتى يأتي الله بفتح مكة = ﴿والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ ، يقول: والله لا يوفّق للخير الخارِجين عن طاعته وفي معصيته.

فإن الإسلام يعلم المؤمنين بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم تقديم محبة الله ورسوله على ما سواهما.

عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ". رواه البخاري ومسلم 

عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". رواه البخاري ومسلم 

فالله تعالى أمر المسلمين بصلة الأرحام.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾
قال أبو جعفر: والذي رَغب اللهُ في وَصْله وذمّ على قطعه في هذه الآية: الرحم. وقد بين ذلك في كتابه، فقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [سورة محمد: ٢٢] . وإنما عَنى بالرّحم، أهل الرّحم الذين جمعتهم وإياه رَحِمُ والدة واحدة. وقطعُ ذلك: ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها، وأوجبَ من بِرِّها. وَوَصْلُها: أداءُ الواجب لها إليها من حقوق الله التي أوجبَ لها، والتعطفُ عليها بما يحقُّ التعطف به عليها.

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ". رواه مسلم والبخاري بنحوه.

ومع أمره العباد بصلة الأرحام فقد أوجب سبحانه تقديم محبة الله وطاعة أمره على صلة الدم والنسب والمصاهرة والأرض والتراب.

 قوله: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
يقول تعالى ذكره: لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودّة، فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا، وكفرتم به.

وقال تعالى:
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ

یُبَصَّرُونَهُمۡۚ یَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ یَفۡتَدِی مِنۡ عَذَابِ یَوۡمِىِٕذِۭ بِبَنِیهِ ۝١١ وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَأَخِیهِ ۝١٢ وَفَصِیلَتِهِ ٱلَّتِی تُـٔۡوِیهِ ۝١٣ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ یُنجِیهِ

یَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّاۤ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِید

فاعلم يرحمك الله أن كل الصلات والروابط في الدنيا إنما يحصل نفعها في الآخرة إذا كانت متصلة بعبادة الله وتوحيده وإخلاص الدين له. وأما ما لم يكن لله في هذه الدنيا فإن أصحابه يبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا وتنقطع بينهم المودة والصلة ويودون أن يفتدو ببعض

وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ

عن قَتادة ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ قال: صارت كل خُلَّة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خُلَّة المتقين.
* * *
وقوله: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾
يقول تعالى ذكره: ثم يوم القيامة أيها المتوادّون على عبادة الأوثان والأصنام، والمتواصلون على خدماتها عند ورودكم على ربكم، ومعاينتكم ما أعدّ الله لكم على التواصل، والتوادّ في الدنيا من أليم العذاب، ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ يقول: يتبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضُكم بعضا.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (٢٧) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا﴾

يقول تعالى ذكره: ويوم يعضّ الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما وأسفًا على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالكفر به في طاعة خليله الذي صدّه عن سبيل ربه، يقول: يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا يعني طريقا إلى النجاة من عذاب الله، وقوله ﴿يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا﴾ .

اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: ﴿الظَّالِمُ﴾ وبقوله: ﴿فُلانًا﴾ فقال بعضهم: عني بالظالم: عقبة بن أبي معيط، لأنه ارتدّ بعد إسلامه، طلبا منه لرضا أُبيّ بن خلف، وقالوا: فلان هو أُبيّ.

عن الشعبيّ في قوله: ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا﴾ قال: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا فكفر؛ وهو الذي قال: ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا﴾ .

وقال آخرون: عنى بفلان: الشيطان.

عن مجاهد ﴿فُلانًا خَلِيلا﴾ قال: الشيطان.

وقوله: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾
يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا، من معصية ربه في طاعة خليله: لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن، وهو الذكر، بعد إذ جاءني من عند الله، فصدّني عنه، يقول الله: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا﴾ يقول: مسلما لما ينزل به من البلاء غير منقذه ولا منجيه.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ ﴾

قال أبو جعفر: "والأسباب"، الشيء يُتعلَّقُ به. قال: و"السبب" الحبل."والأسباب" جمع"سَبب"، وهو كل ما تسبب به الرجل إلى طَلبِته وحاجته. فيقال للحبل"سبب"، لأنه يُتسبب بالتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق به. ويقال للطريق"سبب"، للتسبب بركوبه إلى ما لا يدرك إلا بقطعه. وللمصاهرة"سبب"، لأنها سَببٌ للحرمة. وللوسيلة"سَبب"، للوصول بها إلى الحاجة، وكذلك كل ما كان به إدراك الطلبة، فهو"سبب" لإدراكها.
فإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول في تأويل قوله: "وتقطعت بهم الأسباب" أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ أن الذين ظلموا أنفسهم -من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار- يتبرأ = عند معاينتهم عذابَ الله = المتبوعُ من التابع، وتتقطع بهم الأسباب.
وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بَعضهم يلعنُ بعضًا، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لأوليائه: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [سورة إبراهيم: ٢٢] ، وأخبر تعالى ذكره أنّ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضًا، فقال تعالى ذكره: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ [سورة الصافات:٢٤-٢٥] وأنّ الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه، وإن كان نسيبه لله وليًّا، فقال تعالى ذكره في ذلك: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [سورة التوبة: ١١٤] وأخبر تعالى ذكره أنّ أعمالهم تَصيرُ عليهم حسرات.
وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به، لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه، فهي منقطعة بأهلها. فلا خِلالُ بعضهم بعضًا نَفعهم عند ورُودهم على ربهم، ولا عبادتُهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم؛ ولا دافعت عنهم أرحامٌ فنصرتهم من انتقام الله منهم، ولا أغنت عنهم أعمالهم، بل صارت عليهم حسرات. فكل أسباب الكفار منقطعة.
فلا مَعْنِىَّ أبلغُ -في تأويل قوله: "وتقطعت بهم الأسباب"- من صفة الله [ذلك] وذلك ما بيَّنا من [تقطّع] جَميع أسبابهم دون بَعضها، على ما قلنا في ذلك. ومن ادعى أن المعنيَّ بذلك خاص من الأسباب، سُئل عن البيان على دعواه من أصلٍ لا منازع فيه، وعورض بقول مخالفه فيه. فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.#

 فنحن في هذا الزمان نشاهد تقديم الولاء للأرحام وللأوطان وللقوميات على حساب الولاء لله ولرسوله ولجماعة المسلمين. فقد صار المنتسبون للإسلام يتحزبون ويتشيعون بحسب حدود الدولة القطرية المعترف بها عند الأمم المتحدة فيولون المحبة والإخاء والنصح والمناصرة والصفاء لأهل بلدهم في مقابل البغض والبعد والمفارقة والتظاهر والتحالف ضد من ليسوا من اهل بلدهم والخارجين عن سلطان مملكتهم أو جمهوريتهم. 

وهذا ولا شك مخالف لأمر الله تعالى ودينه والتوحيد الذي لا يرضى سواه لعباده. 

فكل معاني الولاء الأكبر من موافقة في الدين ومآخاة صافية ومخالة - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ". رواه أبو داود والترمذي واحمد. - وتظاهر وتناصر ومحبة خالصة ونصيحة وتشاور فإن هاته المظاهر من الولاء لا يقبل صرفها لغير المسلمين. فإن موافقة الكفار ومحبتهم في دينهم، ومناصرتهم ضد المسلمين، وتفويض الأمر كله إليهم لا شك في كفر من فعل ذلك.

وهناك مظاهر من الولاء يجوز لنا تسميتها الولاء الأصغر لتمييزها عن سابقيها، وهي بر الوالدين المشركين وطاعتهما في غير معصية وصلة ذوي الأرحام من المشركين، إيصال الخير إليهم ومجالستهم ومحبة صلتهم لأجل الرحم مع بغض دينهم والبراءة منه وتقديم محبة الله على محبتهم وطاعته على طاعتهم ونصيحة اولياءهم على نصيحتهم فهذا النوع من الولاء الذي سميناه ولاء أصغر فهو جائز لا حرج فيه. 

وإنما دعاني إلى هذا التقسيم في الاصطلاح ما دلت عليه الأحاديث التي بين معانيها الامام ابو عبيد رحمة الله عليه من تمييز البراء الأصغر عن البراء الأكبر اذ يقول رحمه الله: 

كتاب الإيمان/باب الخروج من الإيمان بالمعاصي

ومن النوع الذي فيه البراءة قول النبي صلى الله عليه وسلم:

- من غشنا فليس منا
- ليس منا من حمل السلاح علينا
- ليس منا من لم يرحم صغيرنا
ثم قال بعد: لا نرى شيئا منها يكون معناه التبرؤ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من ملته. انما مذهبه عندنا: انه ليس من المطيعين لنا ولا من المقتدين بنا ولا من المحافظين على شعائرنا وهذه النعوت وما اشبهها.#

فرسول الله صلى الله عليه يبرأ من هذا الفاعل براءة صغرى لأجل معصيته دون البراءة من دينه، وإلحاقه بالمشركين.

وروى البخاري : بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : صَبَأْنَا ، صَبَأْنَا. فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ، وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ، لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ. حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ". مَرَّتَيْنِ.

وعلى أساس ما تقدم من البرهان فإن معنى البراء على النقيض من معنى الولاء فالبراء الأكبر يشمل المخالفة والمفارقة والابتعاد والقطع والبغض والعداوة وترك المحالفة والمناصرة لهم ودفع شرهم باليد واللسان واجتناب إفشاء السر لهم أو توكيل الأمر إلى المتبرأ منهم. 

وأما البراء الأصغر فيشمل بغض العاصي لمعصيته ومحبته لتوحيده ويشمل الهجر كما هجر المسلمون كعب بن مالك لتخلفه عن الزحف ويشمل إقامة الحد على من أصابه وان لا تأخذ المسلم بالمحدود رأفة في دين الله وهجر الزوجة في المضجع وضربها ضربا غير مبرح ان خاف نشوزها وقتال الطائفة الباغية مع إمام المسلمين حتى تفيء لأمر الله. 

وفي الختام، فإن الولاء للكافرين وأوطانهم وأجناسهم سبب خسران الدنيا والمذلة فيها زد على ذلك أن منتهاه الموت دفاعا عن الكفر وأهله وسلطانه وتشريعاته كما يحصل في كثير من البقاع في هذا الزمان وفي غابر الأيام وهو مع ذلك سبب لخسران الآخرة وسخط الرب عز ذكره الملك الحق الذي تدوم ولايته وعزته ورضاه للمؤمنين وأما أولياء الكفار في الدنيا فتنقطع ولايتهم ويذهب عزهم المزيف وملكهم الفاني وينقلب رضاهم عمن عبدهم في الدنيا إلى سخط ولعنة وبغضاء وأما الولاء لله فهو سبب النصر والعزة للمؤمنين في الدنيا وسبب نجاتهم في الآخرة من عذاب الله والظفر بمرضاته الباقية ودخول جنته الراقية والنظر إلى وجهه - للذين أحسنوا الحسنى وزيادة -.

القول في تأويل قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
قال أبو جعفر: وهذا إعلامٌ من الله تعالى ذكره عبادَه جميعًا= الذين تبرأوا من حلف اليهود وخلعوهم رضًى بولاية الله ورسوله والمؤمنين، والذين تمسكوا بحلفهم وخافوا دوائر السوء تدور عليهم، فسارعوا إلى موالاتهم= أنّ مَن وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين، ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادّهم، لأنهم حزب الله، وحزبُ الله هم الغالبون، دون حزب الشيطان، كما: حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أخبرهم= يعني الرب تعالى ذكره= مَنِ الغالب، فقال: لا تخافوا الدولة ولا الدائرة، فقال:"ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون"، و"الحزب"، هم الأنصار.
* * *
ويعني بقوله:"فإن حزب الله"، فإن أنصار الله، ومنه قول الراجز:
وَكَيْفَ أَضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِي! يعني بقوله:"أضوى"، أستضْعَفُ وأضام= من الشيء"الضاوي". ويعني بقوله:"وبلال حزبي"، يعني: ناصري.

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وما توفيق جماعة المسلمين وإمامهم الا بالله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد وصلى اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله الطيبين وارض اللهم عن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين واجعلنا اللهم من حزبهم وشيعتهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين. آمين يا رب العالمين.
 

جماعة المسلمين وإمامهم

البريد الإلكتروني: Imamabounacer@gmail.com

الهاتف : 00212661707896

  • بيعة الإسلام لله
  • جماعة المسلمين وإمامهم
  • Telegram
  • الصفحة الرسمية على فيسبوك
  • وتساب
bottom of page