إكفار الشعوب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وبعد،
ينبني إكفار الشعوب المنتسبة للإسلام بالعموم على الأدلة المحكمة من الكتاب والسنة، ويكون ذلك من عدة وجوه.
I. لا إسلام إلا بجماعة:
الأدلة متوافرة على أن حد الإسلام هو الجماعة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الفرق كلها في النار إلا الجماعة، وأمر باعتزال تلك الفرق إن لم يكن لهم إمام ولا جماعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر باعتزال المسلمين، ففي الحديث: لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ. رواه البخاري. وقد أمر باعتزال الفرق ولو أن تموت، لأن الشرك أشد من الموت. وروى البخاري ومسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. فهذه ثلاث خصال لا أربع لأن ترك الدين ومفارقة الجماعة أمر واحد لا أمران فقد جاء الحديث بطرق صحيحة متفقة المعنى تارة بلفظ: ارتداد بعد إسلام أو كفر بعد إيمان وتارة بلفظ التارك لدينه المفارق للجماعة، المارق من الدين التارك للجماعة والمعنى واحد.
قال الله عز ذكره وجل ثناؤه:
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّانِي والمارِقُ مِنَ الدِّينِ التارِك لِلْجَماعَةِ. صحيح البخاري
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا من إحدى ثلاثٍ: كفرٌ بعدَ إيمانٍ أو زنًا بعدَ إحصانٍ أو قتلُ نفسٍ بغيرِ نفسٍ. رواه الإمام الشافعي قال لا يشك أهل العلم بالحديث في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف يوم الدار، فقال: أنشدكم بالله تعالى تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو ارتداد بعد إسلام، أو قتل نفس بغير حق يقتل به. والله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا قتلت النفس التي حرم الله، فبم تقتلوني؟ رواه ابن ماجه وأحمد والترمذي وحسنه.
عَنْ عَمْرِو بْنِ غَالِبٍ ، قَالَ : جَاءَ عَمَّارٌ، وَمَعَهُ الْأَشْتَرُ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ ، قَالَ : يَا أُمَّهْ، فَقَالَتْ : لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ. قَالَ : بَلَى، وَإِنْ كَرِهْتِ. قَالَتْ : مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ قَالَ : هَذَا الْأَشْتَرُ. قَالَتْ : أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ قَتْلَ ابْنِ أُخْتِي ؟ قَالَ : قَدْ أَرَدْتُ قَتْلَهُ، وَأَرَادَ قَتْلِي. قَالَتْ : أَمَا لَوْ قَتَلْتَهُ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ : " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا إِحْدَى ثَلَاثَةٍ : رَجُلٌ قَتَلَ فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَمَا أُحْصِنَ، أَوْ رَجُلٌ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ". رواه أحمد ورواته ثقات.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : " وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ؛ التَّارِكُ الْإِسْلَامَ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ - أَوِ الْجَمَاعَةَ شَكَّ فِيهِ أَحْمَدُ - وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ". رواه مسلم
عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " سَتَكُونُ فِي أُمَّتِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ ". أخرجه مسلم وأبو داود واللفظ له.
عن عرفجة بن شريح الأشجعي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس فقال إنه سيكون بعدي هنات وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض. رواه النسائي بسند صحيح.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَال: أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. رواه أبو داود بسند صحيح.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. رواه الترمذي بسند صحيح.
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية. رواه البخاري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. رواه مُسْلِمٌ
عن حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. رواه البخاري
عَنْ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وَمَنْ أَرَادَ بُحْبُحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ. رواه الترمذي بسند صحيح.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ". رواه أبو داود. وقال: " مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ، وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ". رواه مسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ أمرَ يحيى بن زكريا بخمسِ كلماتٍ أن يعملَ بِهَا، ويأمرَ بني إسرائيلَ أن يعملوا بها، وإنهُ كادَ أن يُبطئَ بها. وأنا آمركُم بخمسٍ اللهُ أمرنِي بهنَّ: السمعُ والطاعةُ والجهادُ والهجرةُ والجماعةُ، فإنه من فارقَ الجماعةَ قيدَ شبرٍ، فقد خلعَ ربقةَ الإسلامِ من عنقهِ إلا أن يُرَاجعَ. ومن ادّعَى دعوى الجاهليةِ فإنه من جَثْىِ جهنمَ فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ وإن صلّى وصامَ؟ فقال: وإن صلّى وصامَ. فادعوا بدعْوى اللهِ الذي سماكُم المسلمينَ المؤمنينَ عبادَ اللهِ. رواه الترمذي بسند حسن صحيح.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ. رواه أحمد والنسائي وأبو داود وإسناده حسن.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هم أصحاب الأهواء وأصحاب البدع وأصحاب الضلالة من هذه الأمة. رواه الطبري.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبِنَاءِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ، الْأَرْضَ الْأَرْضَ، إِنَّهُ لَا إِسْلَامَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَارَةٍ، وَلَا إِمَارَةَ إِلَّا بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفِقْهِ، كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ، كَانَ هَلَاكًا لَهُ وَلَهُمْ. رواه الدارمي.
روى مسلم وأحمد عن ابن عباس قال حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي؟ اللهُمَّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا.
عن سعد بن أبي وقاص: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. رواه البخاري
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وفارَقَ الجَماعَةَ فَماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً، ومَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أوْ يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ، ومَن خَرَجَ علَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يَتَحاشَى مِن مُؤْمِنِها، ولا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فليسَ مِنِّي ولَسْتُ منه. صحيح مسلم
عن عليٍّ رضيَ اللهُ عنه قال: إنَّ للإيمانِ ثلاثَ أثافي: الإيمانُ، والصلاةُ، والجماعةُ، فلا تُقبَلُ صلاةٌ إلا في الإيمان، فمن آمن صلَّى، ومن صلَّى جامَع، ومن فارق الجماعةَ قيدَ شبرٍ، خلعَ رِبقةَ الإسلامِ من عُنُقِه. الإيمان والمصنف لابن أبي شيبة.
عن عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
عن ابن عمر قال خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن.قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه الأحاديث تدل على أن الجماعة التي في الجنة هي جماعة المسلمين وأن الفرق الاثنتين وسبعين المذكورة في الحديث كافرة خالدة في النار. وقد بينا الأدلة من الكتاب على أن الفرق مشركة خالدة في النار وأن أهل الجنة فرقة وأمة واحدة. من ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ.
II. بيعة الإسلام:
الوجه الثاني للاستدلال على كفر الشعوب المنتسبة للإسلام متعلق بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده في طريقة الدخول للإسلام، فقد ثبت دخول الصحابة للإسلام ببيعة رسول الله وإمام جماعة المسلمين صلى الله عليه وسلم على الإسلام وأُخذت هاته البيعة على الرجال والنساء.
قال الله تعالى في هذه البيعة:
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم
عن عبادة بن الصامت، وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك. رواه البخاري
وقال جريرٌ رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم. رواه البخاري
عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم إنا قد بايعناك فارجع. رواه مسلم
حَدَّثَنِي أَنَسٌ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا، وَأَلْبَانِهَا. فَقَالُوا: بَلَى. فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا، وَأَلْبَانِهَا فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَطَرَدُوا الْإِبِلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ، وَأَرْجُلُهُمْ، وَسُمِرَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ فِي رِوَايَتِهِ: وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ. وَقَالَ: وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ. صحيح مسلم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ. قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ. فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ. قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَعَلَى قَوْمِكَ ". قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي. قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ: رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ. صحيح مسلم
عن مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لِأَهْلِهَا، وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادِ، وَالْخَيْرِ. صحيح مسلم
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تِسْعَةً، أوْ ثَمانِيَةً، أوْ سَبْعَةً، فقالَ: ألا تُبايِعُونَ رَسولَ اللهِ؟ وكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ ببَيْعَةٍ، فَقُلْنا: قدْ بايَعْناكَ يا رَسولَ اللهِ، ثُمَّ قالَ: ألا تُبايِعُونَ رَسولَ اللهِ؟ فَقُلْنا: قدْ بايَعْناكَ يا رَسولَ اللهِ، ثُمَّ قالَ: ألا تُبايِعُونَ رَسولَ اللهِ؟ قالَ: فَبَسَطْنا أيْدِيَنا وقُلْنا: قدْ بايَعْناكَ يا رَسولَ اللهِ، فَعَلامَ نُبايِعُكَ؟ قالَ: علَى أنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، والصَّلَواتِ الخَمْسِ، وتُطِيعُوا، (وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً)، ولا تَسْأَلُوا النَّاسَ شيئًا فَلقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أحَدِهِمْ، فَما يَسْأَلُ أحَدًا يُناوِلُهُ إيَّاهُ. صحيح مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ سَرَّحَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْخَيْلِ وَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، اهْتِفْ بِالْأَنْصَارِ. قَالَ: اسْلُكُوا هَذَا الطَّرِيقَ، فَلَا يُشْرِفَنَّ لَكُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَمْتُمُوهُ. فَنَادَى مُنَادٍ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارًا فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ. وَعَمَدَ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ فَدَخَلُوا الْكَعْبَةَ، فَغَصَّ بِهِمْ، وَطَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ أَخَذَ بِجَنَبَتَيِ الْبَابِ، فَخَرَجُوا، فَبَايَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ. سنن ابي داوود: صحيح
عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيبُهُمْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَبَارِكْ فِي الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ. صحيح البخاري
عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ يُبَايِعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقُلْنَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ. رواه مالك وأحمد والنسائي.
عن مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَنَّ أَبَاهُ الْأَسْوَدَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ : جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْفَلَةَ، فَبَايَعَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا الشَّهَادَةُ ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أحمد
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنَّ أعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ، فأصَابَ الأعْرَابِيَّ وعْكٌ بالمَدِينَةِ، فأتَى الأعْرَابِيُّ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبَى، فَخَرَجَ الأعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، ويَنْصَعُ طِيبُهَا. صحيح البخاري
عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْعَبْدِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ السَّدُوسِيَّ - يَعْنِي ابْنَ الْخَصَاصِيَّةِ - قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَايِعَهُ، قَالَ : فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ، فَوَاللَّهِ مَا أُطِيقُهُمَا : الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، فَأَخَافُ إِنْ حَضَرْتُ تِلْكَ جَشِعَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ الْمَوْتَ. وَالصَّدَقَةُ، فَوَاللَّهِ مَا لِي إِلَّا غُنَيْمَةٌ، وَعَشْرُ ذَوْدٍ ، هُنَّ رِسْلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ. قَالَ : فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ : " فَلَا جِهَادَ، وَلَا صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذَنْ ؟ ". قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أُبَايِعُكَ، قَالَ : فَبَايَعْتُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ. رواه أحمد.
عن عمر بن العاص رضي الله عنه: خَرَجْتُ عَامِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسْلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ : أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاللَّهِ أُسْلِمُ، فَحَتَّى مَتَى ؟ قَالَ : قُلْتُ : وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأُسْلِمَ. قَالَ : فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، ثُمَّ دَنَوْتُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يغْفرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي. وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخَّرَ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَمْرُو، بَايِعْ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا ". قَالَ : فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ. رواه أحمد
قلت: ما معنى قول خالد لعمرو بن العاص "إِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاللَّهِ أُسْلِمُ" وقول عمرو لخالد " وَأَنَا وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأُسْلِمَ "؟ فلو كان الإسلام يصح بنطق الشهادتين من غير بيعة لقال خالد أسلمت لأنه حين قال ما قال كان يشهد أن محمدا رسول الله. ولكنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعاه على الإسلام لعلمهما قبل الإسلام بما يدعو إليه نبي الله صلى الله عليه وسلم من الدين الحنيف.
وكذلك في حديث بن الخصاصية فإنه مع شهادته أن محمدا رسول الله إذ يقول: "يا رسول الله، أما اثنتان فلا أطيقهما" لم يقره رسول الله وأبى مبايعته.
تبين بفضل الله أن الإسلام بيعة تؤخذ على الداخل إلى الإسلام وتسمى بيعة الإسلام، وأصل المبايعة مقابلة شيء بشيء على سبيل المعاوضة. فالسلعة هي الجنة والثمن هو التوحيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.
إذا تبين هذا، فزعم زاعم أن الشعوب مسلمة، نسأله:
متى وكيف دخلت إلى الإسلام؟ ومن هم الجماعة والإمام الذين بايعهم الشعب على أن يوحد الله ولا يشرك به شيئا ويتحاكم إلى دين الله ويوالي المؤمنين ويبرأ من المشركين ويكفر بالدستور والقانون والوطنية؟
III. أحكام الديار:
الوجه الثالث للاستدلال متعلق بأحكام الديار، والقواعد المتعلقة بها، فإن الديار نوعان: دار إسلام & ودار كفر.
أ. دار الإسلام والأصل في أهلها الإسلام:
هي الأرض الخاضعة لسلطان المسلمين وحكمهم بما أنزل الله حيث تعلوا كلمة الله ويظهر التوحيد والجماعة وينشر العلم وتؤخذ الزكاة من الأغنياء وترد على الفقراء ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتقام الحدود ويحارب الشرك ويقتل المرتد. حتى وإن كان فيها أهل الذمة فإنها تسمى دار إسلام لأنها خاضعة لحكم الله في أهل الذمة.
ب. دار الكفر والأصل في أهلها الكفر:
هي الأرض الخاضعة لسلطان الكافرين وحكمهم بغير ما أنزل الله حيث لا يُحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق بل يقولون الشرك ويعملونه ويتصرفون في أحكام الشريعة بالتبديل والتعديل فإنها تكون دار كفر وإن آمنوا ببعض الكتاب فسمع فيها الأذان وعُمل ببعض الطاعات وشعائر الإسلام. قال الله تعالى " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " وقال " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ".
والقواعد المتعلقة بأحكام الديار هي كالآتي:
o علاقة التبعية بين الراعي والرعية، فإن الناس على دين ملوكهم:
قال الله تعالى " يوم ندعو كل أناس بإمامهم " أي ملكهم وكبيرهم ومتبعوهم، وقال الهدهد عن ملكة سبأ ورعيتها " وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ " فحكم على القوم بالتبعية للملكة في دينها مع أنه لا يمكنه الاطلاع على سائرهم داخل البيوت والمجالس. وعن ملكة سبأ" قالت إنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً" قال الله عز وجل تأكيدا لقولها وتصويبا له "وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ". فعُلم أن الملوك لهم تأثير مباشر على أحوال الناس ودينهم، وحكاية عن الملأ " قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ" فجعلوا الأمر إليها وقومها تبع لها فيما أمرت به ونهت عنه، وقال تعالى عن يوسف عليه السلام "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" "في دين الملك" أي في حكم الملك. فإن الحكم هو الدين والحاكم الآمر هو المتبوع المعبود، قال الله" إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه" فلو أن الحكم لغير الله لقدمت طاعته على طاعة الله فإن أمر الناس بعبادته وجبت عليهم عبادته، ولكن الأمر بخلاف ذلك. قال سبحانه "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إيك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" فجعل التحاكم إلى الطاغوت نقيض الكفر به، فمن تحاكم إلى شيء أو اتبعه من دون الله فهو مؤمن به وعبد له.
ومن الأدلة على هذه القاعدة:
- وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا
- وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ. إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ
- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ
- وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ. وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ
فالحكام والكبراء المستكبرون يأمرون الضعفاء المستضعفين في الدنيا بطاعتهم والولاء لهم والكفر بالله بترك شريعته واتباع دينهم، ثم يوم القيامة يتبرؤون من الذين اتبعوهم من الشعوب المطمئنة المستقرة على الكفر، ولا يغنون عنهم ولا عن أنفسهم من عذاب الله من شيء.
o القاعدة الثانية، الدار أو القرية تطلق والمراد أهلها:
كما في قوله تعالى:
"وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ"
"وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ"
"فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ "
"وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ"
فوصف القرية بأنها ظالمة لا يراد منه الحجر أو الشجر بل أهل القرية" يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها". وبينما وصف الله عز وجل ديار الكفر بالقرى الظالمة، وصفت القرية التي أرسل إليها يونس بأنها مؤمنة قال الله تعالى " فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ" وقال "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ". فما صحت تسمية أهل الدار مؤمنين إلا وقريتهم مؤمنة ليست ظالمة.
o قاعدة الجريمة السلبية:
تتجلى هاته القاعدة بأن المعصية والكفر منه القولي والفعلي والتركي، فليس الكافر فقط من أتى بعبادة الأوثان، بل كذلك من ترك عبادة الله كافر. وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تارك الصلاة: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. قال الله عن الجالس في مجالس الاستهزاء بالدين مع ترك الإنكار عليهم وهجرهم "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا " فجرائم ترك الصلاة وعدم إنكار الشرك وعدم الكفر بالطاغوت وترك البراءة من المشركين هي جرائم سلبية متعلقة بأركان وواجبات لم يفعلها المكلف بينما الواجب عليه أن يفعلها. قال الله تعالى " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " يعني: هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك، بئس ما كانوا يصنعون يعني: في تركهم النهي.
o قاعدة المسؤولية الجماعية:
عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء". فقد جعل القول قول اليهود جميعا، مع أن القائل واحد منهم. وقال الله عز وجل " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق" وكان الذي قال القول رجل من أحبار اليهود يقال له فنحاص لكن المسؤولية عن القول يتحملها كل اليهود فقد قال سبحانه "سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء" وكان فنحاص ومن معه في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يدركوا نبيا من أنبياء بني إسرائيل فيقتلوه! ولكنهم كانوا راضين بما فعل اليهود الأوائل الذين قتلوا الأنبياء، وكانوا على منهاجهم غير متبرئين منهم، فهم أهل ملة واحدة مستحقون اللعنة والعذاب بالرضى من جميعهم فعل ما فعل فاعل ذلك منهم.
وعن ثمود قوم صالح "كذبت ثمود بطغواها. إذ انبعث أشقاها. فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها" فإن الذي عقر الناقة واحد منهم، ولم يتبرأ بقية القوم منه، فنسب التكذيب والعقر إلى جميعهم.
فهذه بعض الأوجه لبيان حكم الشعوب التي تعمل الكفر والشرك ولا تحكم بما أنزل الله في بلدانها بل بالدساتير الوضعية والبرلمانات المبتدعة مع ما يوجد عندها من عبادة للقبور وعقائد مناقضة لكلمة التوحيد التي يتحمل عنها الشعب بأكمله المسؤولية حكاما ومحكومين. وقد تبين أن الشعوب المنتسبة للإسلام هم كفار أصليون ورثوا الكفر والشرك عن الآباء والأجداد ولم يكونوا يوما مسلمين، لأن المسلمين هم أهل الجماعة الذين لهم دار إسلام تقيم الدين، أو أهل الجماعة الذين يظهرون الدين في دار الكفر فيوالون المؤمنين ويتبرؤون من القوم الكافرين.
والله المستعان وبه التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


