top of page

أمة محمد أهل كتاب

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وبعد،

قال الله عز وجل: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ 
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمة الله عليه: فتأويل الكلام: من أهل الكتاب جماعة معتصمة بكتاب الله، متمسكة به، ثابتة على العمل بما فيه وما سن لهم رسوله صلى الله عليه وسلم.

وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، كان عند بعض أهله ونسائه: فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ليلٌ، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فبشَّرنا وقال: " إنه لا يصلي هذه الصلاة أحدٌ من أهل الكتاب " فأنـزل الله: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. كذلك رواه أحمد وغيره.
وبسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله: " يتلون آيات الله آناء الليل " قال: صلاة العَتَمة، هم يصلُّونها، ومَنْ سِواهم من أهل الكتاب لا يصلِّيها. 

قال أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمة الله عليه: أولى الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: عني بذلك تلاوة القرآن في صلاة العشاء. لأنها صلاة لا يصلِّيها أحد من أهل الكتاب، فوصف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله. انتهى كلامه رحمه الله.

والقول الآخر الذي رواه عن ابن عباس رضي الله عنه بأن الآية نزلت في عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سَعْية، وأسَيْد بن سعية، وأسد بن عُبيد، ومن أسلم من يهود معهم. لا يعترض وقولنا إن المقصود بالآية هم المسلمون، لأن عبد الله بن سلام ومن معه صاروا مسلمين، والله تعالى قال عن الأمة التي وصفها بالإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها من أهل الكتاب. فعلى هذا القول أيضا الأمة القائمة من أهل الكتاب هم المسلمون، ولا يجوز تأويل الآية على غير هذين التأويلين.

ولبيان ذلك فإن الأنبياء أخوة ودينهم واحد والله سبحانه يقول: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ. ويقول: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فهل يكون لأحد أن يزعم بعد هذا أن الله سبحانه يثني على أمة بأنها قائمة مؤمنة بالله واليوم الآخر آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر مسارعة في الخيرات غير أمة المسلمين؟

۞ لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِين

لقد بين الله سبحانه أن اليهود والنصارى ليسوا مسلمين فقال: 
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ

وبين جل ثناؤه أن موسى وعيسى عليهما السلام وأتباع دينهما مسلمون وليسوا يهودا ولا نصارى إذ يقول عز وجل:
وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
فالذي يقول أهل الكتاب هم اليهود والنصارى فقط يلزمه بأن المسلمين من اليهود والنصارى والله سبحانه فرق بين اليهود والنصارى وبين المسلمين في كتابه العزيز.

هذا فيما يخص بيان أن أمة محمد أهل كتاب من كتاب الله. 

وأما بيان ذلك من السنة فقد جاء في الحديث بسند صحيح: عَنْ بَعْضِ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعَ أَبِي سُفْيَانَ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَانْطَلَقَ إِلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا فِي النَّضِيرِ فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَفَرًا عِنْدَ مَنْزِلِهِمْ، فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ: إِنَّا جِئْنَاكُمْ لِخَيْرٍ ، إِنَّا أَهْلُ كِتَابٍ وَأَنْتُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَإِنَّ لأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ النَّصْرَ ، وَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْنَا بِجَمْعٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِمَّا قَاتَلْتُمْ مَعَنَا، وَإِمَّا أَعَرْتُمُونَا سِلاحًا. رواه الطحاوي.

وعن نيار بن مكرم رضي الله عنه قال: لما نزلت الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ فَكانت فارسُ يومَ نزلت هذِهِ الآيةُ قاهرينَ للرُّومِ وَكانَ المسلمونَ يحبُّونَ ظُهورَ الرُّومِ عليْهم لأنَّهم وإيَّاهم أَهلُ كتابٍ وفي ذلِكَ قولُ اللَّهِ تعالى وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وكانت قريشٌ تحبُّ ظُهورَ فارسَ لأنَّهم وإيَّاهم ليسوا بأَهلِ كتابٍ ولاَ إيمانٍ ببعثٍ. صحيح الإسناد رواه الطبري.

فهذه أدلة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومن تبعهم من العلماء متفقة على كون أمة محمد المؤمنة، جماعة المسلمين، من أهل الكتاب. وهذا قبل أن تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة. لكن بعد أن افترقت هل تسمى أيضا أهل كتاب أم تزول عنها التسمية؟ لو قلنا إن اسم أهل الكتاب يزول عن الفرق الضالة التي تنتسب إلى الإسلام وكتابه القرآن ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لوجب القول بزوال التسمية عن الفرق الضالة من أمم موسى وعيسى عليهما السلام لافتراقهم أيضا إلى واحد وسبعين والى اثنتين وسبعين فرقة، وهذا ما لا يقول به أحد. 

فعلة كونهم أهل كتاب إذا لا تزول بعد الافتراق، إنما تزول علة كونهم مؤمنين مسلمين، لعدم إيمانهم بالكتاب كله. فالفرقة التي تؤمن بالكتاب كله هي الجماعة المسلمة، والفرق التي تركت الإيمان بالكتاب والبعث بالكلية هم المشركون الوثنيون، والفرق التي تؤمن ببعض الكتاب ويكفرون ببعض هم الذين كفروا من أهل الكتاب.

فتبين مما سبق، وقامت الحجة على أن أمة محمد أهل كتاب:
 
أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ 
وأن المؤمنين من أهل الكتاب:
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ 
فاعلم أسعدك الله، أن أكثر أهل الكتاب هم كافرون تجب معصيتهم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ 
وهم خالدون في النار:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ

فصل
إذ صح ما قلنا بالذي به احتججنا، فإنا نخصص هذا الفصل إن شاء الله لبيان توجيه آيات ذكر فيها أهل الكتاب، ردا لما قد يتوهمه البعض من تعارض ما دلت عليه الأدلة المبينة آنفا مع ما ذكر الله تعالى عن أهل الكتاب في غيرها من المواضع، وقد أيقنا أن كلام الله منزه يصدق بعضه بعضا ولا ينقض بعضه على بعض.

قال تعالى " مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" وقال "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ".

فهذه آيات فيها تخصيص الذين كفروا من أهل الكتاب من عموم أهل الكتاب، فدل على أن عموم أهل الكتاب يشمل الذين كفروا من أهل الكتاب وغيرهم، وإلا لما كان للتخصيص معنى.

ومثل ذلك عند قوله عز وجل " وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ " فقد جاء مقيدا بالقبلية فدل على أن الإطلاق يشمل الذين أوتوا الكتاب من قبل والذين أوتوه من بعد وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولولا ذاك لم نعلم للتقييد بقوله سبحانه "من قبلكم" فائدة. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ. رواه مسلم

ثم من الآيات ما يكون مخرجه عاما والمراد به خاص، كقوله عز وجل:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

فاللفظ عام يشمل أهل الكتاب جميعا والمراد بعض أهل الكتاب دون بعض، يدل عليه قوله: "لم تكفرون"، "لم تصدون "، " لم تلبسون" " تكتمون"، فهو خطاب لأهل الكتاب الكافرين، الصادين، الملبسين، الكاتمين.

ومثله في قول الله عز وجل: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فمخرج الكلام يعم كل الناس والمراد به بعض الناس دون بعض.

وفي قوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا
قال أبو جعفر يعني جل ثناؤه بقوله: " يا أهل الكتاب "، يا أهل الإنجيل من النصارى " لا تغلوا في دينكم "، يقول: لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه، ولا تقولوا في عيسى غير الحق، فإن قيلكم في عيسى إنه ابن الله، قول منكم على الله غير الحق. لأن الله لم يتخذ ولدًا فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنًا " ولا تقولوا على الله إلا الحق ".

أيضا، من الأمثلة على العام الذي يراد به الخاص قوله تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا 
قال أبو جعفر رحمة الله عليه: يعني بذلك جل ثناؤه: "يسألك " يا محمد " أهل الكتاب "، يعني بذلك: أهل التوراة من اليهود " أن تنـزل عليهم كتابًا من السماء".

فعني بأهل الكتاب في الآية الأولى أهل الإنجيل من النصارى وفي الآية الثانية أهل التوراة من اليهود واللفظ واحد لكن السياق مختلف فخصصت الآيتين نفسيهما، كما مر نظيره قريبا.

فلا يوجد إذا فيما ذكر فيه أهل الكتاب من الآيات ما يعترض مع كون أمة محمد أهل الكتاب، بل القرآن كله من أوله إلى اخره يؤكد هذه الحقيقة الساطعة والأصل الأصيل. "الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ " " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ " " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ".

فالحمد لله الذي هدى طالب الحق لمعرفة هذا الأصل بأدلته من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وقد وضحنا أن النصوص منها العام الذي خصص ومنها العام يراد به الخاص، وهما صنفان. ومنها أيضا العام عطف على الخاص والخاص عطف على العام. 

كما قال سبحانه "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ" وقال "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" وقال: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" فعطف الصلاة الوسطى على الصلوات، مع أن الصلاة الوسطى من جملة الصلوات، وعطف العمل الصالح على الإيمان، مع أن العمل الصالح من الإيمان، والمؤمنون والمؤمنات من جملة المسلمين والمسلمات. فعُطف الخاص على العام في مواضع من الكتاب.

قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ
قال أبو جعفر: " وما أنـزل إليكم من ربكم" مما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من الفرقان. وفي تفسير الآية عن ابن زيد رحمة الله عليه قال: فقد صرنا من أهل الكتاب" التوراة" لليهود، و" الإنجيل" للنصارى،" وما أنـزل إليكم من ربكم": وما أنـزل إلينا من ربنا. "لستم على شيء حتى تقيموا " أي: حتى تعملوا بما فيه. 

وقال ابن مسعود رضي الله عنه مفسرا قول ربنا عز وجل: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة. يقول: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم. أي أن أمة محمد هي الأمة القائمة من أهل الكتاب، فلا يستوي الذين كفروا من أهل الكتاب يهود ونصارى وصابئين هم وجماعة المسلمين الذين آمنوا من أهل الكتاب.

فصل
أما فيما يتعلق بالذبائح والنكاح، فإنه يحل طعام المنتسبين للإسلام ولا تحل نساءهم لأن ربنا عز ذكره وجل ثناؤه يقول: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

فقد أحل سبحانه طعام أهل الكتاب جميعا دون قيد وأما النساء فلا يحل منهن الا نساء أهل الكتابين التوراة والإنجيل، لأنهم هم الذين أوتوا الكتاب من قبلنا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ. رواه مسلم

هذا، ويجوز أكل طعام المنتسبين للإسلام سواء علمنا سموا الله عند الذبح أم لم نعلم ذلك منهم، الا ان نعلم انهم سموا غير الله كالذي يقدم قربانا للأضرحة والجن والطواغيت أو تكون ذبيحة مشرك ليس أهل كتاب ولا إيمان ببعث. فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أو لم يسم. 

 قال الله عز وجل: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ. 
وقال: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
قال أبو جعفر رحمه الله: إن الله عنى بذلك ما ذُبح للأصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحلّ ذبيحته.

عن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن قوما يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا عليه أنتم وكلوه قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر. رواه البخاري.

والحمد لله رب العالمين.

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
 

جماعة المسلمين وإمامهم

البريد الإلكتروني: Imamabounacer@gmail.com

الهاتف : 00212661707896

  • بيعة الإسلام لله
  • Donate for JM
  • Telegram
  • جماعة المسلمين وإمامهم
  • الصفحة الرسمية على فيسبوك
  • وتساب
bottom of page